حماس تستعد للإنتقام

عندما يعلن السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية 'حماس' بان الاستعدادات بدأت لتنفيذ 'عمليات' انتقامية ضد اسرائيل ثأرا لاغتيالها الشهيد محمود المبحوح، فان هذا الاعلان يجب ان يؤخذ على محمل الجد، لان التجارب السابقة أثبتت ان الحركة اذا قالت فعلت.
السيد مشعل لم يقل ان رد الحركة على عملية الاغتيال هذه سيأتي 'في الوقت المناسب.. والمكان المناسب'، وانما قال ان هذا الرد قادم في الطريق، وربما يتعلق الامر الآن باختيار الاهداف ووضع الخطط اللازمة.
ما يدفعنا الى هذا الكلام هو وجود طابور طويل من الاستشهاديين ينتظرون التعليمات من قيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة 'حماس' للانطلاق نحو اهدافهم، داخل الاراضي المحتلة على وجه التحديد، وان كانت مهاجمة اهداف اسرائيلية خارجها غير مستبعد ايضا.
عندما اغتيل المهندس يحيى عياش على ايدي عميل تابع لجهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت) عام 1996 من خلال تلغيم هاتف جوال اعطي له للاجابة على مكالمة مزعومة مع والدته، كان رد حركة 'حماس' مزلزلا، حيث قالت الحركة انها ستنفذ اربع عمليات استشهادية وكان لها ما ارادت، وفي قلب تل ابيب والقدس المحتلة.
الاسرائيليون بدأوا يفيقون من نشوة الانتصار المبكرة، وبدأت الحقائق المريرة تتكشف امامهم بجلاء، ولذلك اختفت الابتسامات من على وجه افيغدور ليبرمان وزير الخارجية ورئيسه بنيامين نتنياهو، واخذ المسؤولون الاسرائيليون، وعلى غير عادتهم، التبرؤ من العملية، والايعاز بان جهات اخرى قد تكون نفذتها لتوريطهم.
الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس شرطة دبي قال ان 'الموساد' يقف خلف الجريمة بنسبة تسعة وتسعين في المئة، وان حقائق كثيرة ستتكشف في الايام القليلة المقبلة بعد استكمال التحقيقات. بينما استدعت وزارات الخارجية في كل من بريطانيا وايرلندا وفرنسا السفراء الاسرائيليين لديها للاستفسار عن استخدام 'الموساد' الاسرائيلي لجوازات سفرها لتنفيذ العملية.
فاذا كان جهاز 'الموساد' الاسرائيلي لا يقف خلف هذه العملية، فلماذا تقدم هذه الدول على استدعاء السفراء الاسرائيليين دون غيرهم من سفراء الدول الاخرى؟
هناك احد تفسيرين، الاول ان تكون جوازات السفر الاوروبية المستخدمة صحيحة، مما يعني ان هناك تورطا من قبل اجهزة امنية اوروبية في العملية تحت ذريعة محاربة 'الارهاب' او ان يكون جهاز 'الموساد' قد زور جوازات السفر هذه فعلا بهدف التمويه.
فاذا كانت اجهزة امنية اوروبية نسقت فعلا مع الموساد، وتورطت في التنفيذ، فهذا يعني ان استدعاء السفراء الاسرائيليين مجرد تمثيلية لذر الرماد في العيون، اما اذا كانت الجوازات مزورة فعلا، فان علينا ان نتوقع اجراءات دبلوماسية عقابية ضد اسرائيل، مثل طرد دبلوماسيين وايقاف التعاون الامني على غرار ما فعلت السيدة مارغريت ثاتشر عام 1987.
الفائز الاكبر في هذه القضية هي شرطة دبي ورئيسها ضاحي خلفان تميم، فقد أبهرت العالم بكفاءتها الامنية العالية والمتقدمة علميا، خاصة في مجالات التصوير وتتبع المتورطين، وسرعة كشف هوياتهم.
الاسرائيليون لم يتوقعوا ان تكون شرطة دبي على هذه الدرجة من الحرفية الامنية، واعتقدوا ان هذه الامارة الصغيرة المفتوحة، مثل الدول العربية الاخرى، يستطيعون اختراقها وتنفيذ عمليات اغتيال اهدافهم دون ان يتعرف عليهم أحد.
المأمول ان تواصل هذه الشرطة منهج الشفافية الذي اتبعته، وان لا تتراجع مطلقا في تحقيقاتها امام الضغوط الهائلة التي تمارس عليها حاليا من دول عربية او اوروبية، وهي ضغوط تريد لفلفة القضية خوفا من اسرائيل او للتغطية على جرائم بعض المتورطين الفلسطينيين، خصوصا الذين وظفوا انفسهم في خدمة الاجهزة الامنية الاسرائيلية، بشكل منفرد او في اطار التنسيق الامني.
الايام المقبلة ستكون حافلة بالمفاجآت بكل تأكيد، وعلينا ان نتوقع المزيد من الحقائق، والمزيد من هويات المتورطين، فالجريمة متعددة الاوجه والجهات المتورطة، ولم تعد مسألة اسرائيلية ـ فلسطينية فقط.

نقلا عن صحيفة القدس العربي

احني هامتي اجلالا لشخصك الكريم

صفحة 1 من اصل 1