صلاح المختار : الوحدة العربية هل مازالت حلمنا الاكبر؟ 3

صلاح المختار : الوحدة العربية هل مازالت حلمنا الاكبر؟ 3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الوحدة العربية هل مازالت حلمنا الاكبر؟ 3
شبكة البصرة
صلاح المختار
الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح
ونحن نحارب الناجح حتى يفشل
الشيخ علي طنطاوي

الاستعمار الغربي تعامل مع ارث العرب بطريقة مختلفة عن ارث بقية الامم التي استعمرها، وادى ذلك الى تسخير الجوانب السلبية في ارثنا القومي في كبح التقدم والتحرر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.ان اهم عوامل تشويه تطورنا هو عامل التدخل الخارجي الذي حدد انماط التغيير وطبيعة العمل السياسي في الاقطار العربية الرئيسة خصوصا العراق ومصر وسوريا، ففرنسا وبريطانيا تولتا اساسا تحديد طبيعة النظم السياسية في مطلع القرن الماضي ووضعتا قوالب واضحة للتطور العام فيها، وكان تعمد ابقاء النظام الاقتصادي والاجتماعي الهجين ليكون اكبر كوابح التقدم والنهضة والانسجام في التطور وسبب التراجعات بعد تحقيق تقدم طفيف لا ينسجم مع نبض العصر وجهد القادة العرب في الحكم او في القوى المنظمة.
فلو ان بريطانيا انهت النظم الاقطاعية والعبودية واقامت نظاما رأسماليا عاديا لكان تطور الاقطار العربية حدث وفقا لنظام رأسمالي متبلور وطاغ اجتماعيا وله ثقافاته وانماط سلوكه وهو ما حدث في الغرب وفي دول اسيوية اطلقت عليها تسمية (النمور الاسيوية) حيث قضت الرأسمالية الغربية على النظم السابقة ومنها الاقطاع او بقاياه وعلاقاته الاجتماعية مثل القبلية والجهوية والطائفية.
تطور اوربا سار هكذا : الراسمالية اجتثت الاقطاع وتقاليده، والاقطاع قبلها اجتث الممارسات والتقاليد العبودية واحل محلها الثقافة الابوية (البطرياركية)، فسارت اوربا على طريق واضح وهو الطريق الرأسمالي الذي وفر انماط سلوك منسجمة وطرق تفكير مشتركة اساسها ضرورات العمل لان مكان العمل كان يفصل الانسان جبريا عن قبيلته وطائفته وعائلته الموسعة ويجبره على العمل مع اخرين من اديان اخرى وثقافات اخرى ومناطق اخرى بعيدا عن قريته ومدينته الاصلية، فكان عليه الاندماج في حياة مختلفة عن الحياة السابقة تتقرر علاقاتها وفقا لضرورات العمل بالدرجة الاولى.
كان بامكان بريطانيا عندما استعمرت العراق ومصر تصفية الاقطاع مثلا ولكنها لم تفعل بل فعلت العكس وهو دعم الاقطاعيين وتوسيع نفوذهم ودورهم السياسي، فهم حكام واعضاء في البرلمانات الليبرالية في اقطار لاتعرف الليبرالية ولا ثقافتها، ولذلك فان النظام الرأسمالي الجديد في العراق ومصر كان له توأم مناقض وغير شرعي هو الاقطاع والنفوذ الاقطاعي! فهل يمكن لمجتمع تؤثر فيه بقوة ثقافات متناقضة ان يتقدم ويحقق الانسجام في الفهم المشترك لقضايا الشعب؟ وهل ممارسة اللبيرالية في البرلمان والاعلام كانت ظاهرة اصيلة ام ظاهرة مستوردة لامست السطح لكنها ابقت الجذر الاستبدادي متحكما فعليا في الانسان واتخذ من الليبرالية غطاء له يتجمل به؟
وفي دول مثل الخليج العربي، ذات الاصول البدوية العميقة الم يكن بامكان الغرب (بريطانيا + امريكا) ان يطور البنى الاجتماعية بحيث تصبح حضرية فعلا وليس شكلا فقط مثلما فعل في اسيا عندما قرر مسار بعض بلدانها مثل النمور الاسيوية؟ تعمد الغرب تحويل البداوة الى ثقافة مقدسة وضعت مواطني الخليج فوق المساهمة المباشرة في انتاج الثروة وتخصصوا في استهلاكها في وقت انشأت فيه مشاريع عملاقة اقتصادية وتجارية عابرة للقارات واكبر مما فعلت في النمور الاسيوية، فماذا يحدث لبدوي لم يعرف العصر الحديث لكنه فجأة وجد نفسه في قلبه وهو لم يتعلم بعد قوانينه الداخلية او يعرف بنتائج تطبيقها الاجتماعية والثقافية ووجد انه تائه في عالم مذهل ومغر ولديه كل الامكانيات لاستخدام وسائله بسهولة ودون تعب او تفكير؟
رد الفعل الطبيعي هو الاعتماد الكلي على الغرب في الادارة العامة لاقتصاد وثقافة وحياة القطر وانغماس العربي الخليجي في جمع الثروات وتصديرها لبنوك خارجية وترك كل شيء رهينة من يسيطر ومن يعمل تحت امرته من عمال اجانب وقلة من العرب! النتيجة هي تحويل ثروات اقطار الخليج العربي الى ممول اساس لعملية الردة عن النهضة القومية واجهاض تجربة الوحدة من جهة، وقنابل اجتماعية موقوتة، من جهة ثانية، نتيجة الاعتماد على العمالة الاجنبية والتي اصبحت اكثر من مرعبة بعد التقزيم المنظم لعمل ابناء الاقطار العربية في الخليج العربي وفتح كل الابواب للعمالة الاسيوية!
وزاد الطين بلة باقامة مشاريع استهلاكية تبهر لكنه لاتنتج والمستفيد منها فقط هم افراد خليجيون والشركات المنفذة لتلك المشاريع وهي تحديدا مشاريع تبذيرية في وطن عربي الفقر فيه يتجاوز نصف السكان! اغترب الخليج شعبيا وتشوهت ثقافته وتربية اجياله وسادت الكتل الغريبة العاملة فيه وانحسرت الثقافة الوطنية ولغتها القومية! فكان طبيعيا ان يتحول الخليج الى اكبر قنبلة معدة للعرب وليس لغيرهم!
هكذا اضاف الاستعمار عقدا خطيرة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا وامنيا ارهقت دول الخليج العربي وتحول ارهاقها الى تهديد خطر جدا للهوية العربية التي يمكن الغاءها بقرار من الامم المتحدة بتسليم الحكم للاغلبية السكانية غير العربية بعد استفتاء سكاني يسمح للعمال الاجانب بالمساهمة فيه، وهو قرار مهما تأخر سيتخذ في يوم ما، لان العرب يمثلون اقلية لا تنتج وتعيش على مصدر طبيعي لم تصنعه هي! كما ان الغرب اوجد تهديدات وهمية او ضخم ونمى صراعات عربية عربية مما ادى الى زيادة تمترس عرب الخليج بالمال والغرب والابتعاد حتى عن الهوية البدوية الاصلية والتي تقوم على تقاليد ايجابية ايضا!
النتيجة الاخطر هي ان البدو لم يعودوا بدوا ولم يصبحوا حضريين : لقد ضيعوا الخيط والعصفور! وهذا هو الهدف الحقيقي للغرب الاستعماري. من المسوؤل : من وضع قواعد العمل والادارة اي بريطانيا وامريكا؟ ام العربي الذي سلم الادارة للغرب لانه كان يجهل كيفية ادارة الثروة المتدفقة عليه من الارض؟ ابقيت العبودية وطورها الغرب الاستعماري لتصبح ممارسة نوع من انواع العبودية تجاه العمال الغرباء ونشأت الرأسمالية المهجنة بينما القيم الاقطاعية التي تشوهت نتيجة ادماجها القسري بقيم غربية سطحية كانت ثقافة النخبة!!! هل يوجد في العالم شعب واجه هذه الحالة؟
الجواب واضح ففي كل الدول التي احتلها الغرب كالنمور الاسيوية ومنها كوريا الجنوبية قام الغرب بنسف بناها الاجتماعية العتيقة والتي تعترض النمو الرأسمالي وفرض انماطا عصرية من العمل والسلوك فعلم الكوريين كيفية عقلنة العمل وتقاليده المتبعة في الغرب لانه كان بحاجة لادوات عمل حية تنتج له الثروة، فكان طبيعيا ان تزول عوامل الاضطراب القيمي والتناقض الحضاري والثقافي وتتبلور انماط سلوك منسجمة مع الطريق الرأسمالي، فصارت كوريا دولة متقدمة تصدر للعالم بما في ذلك لامريكا الكثير من سلعه خصوصا الالكترونيات.
ولكي نوسع دائرة ادراك حجم التأمر المسبق على العرب يجب ان ننظر الى اليابان وماذ حصل فيها بعد هزيمتها في الحرب. كانت اليابان رغم انها دخلت طور الرأسمالية قبل الحرب العالمية الثانية تخضع لثقافة البوشيدو Bushido وهي ثقافة فرسان الاقطاع لكنها كانت ثقافة اقطاع متنور – وليس مثل اقطاعنا - وذات تقاليد ايجابية تنظم المجتمع وفقا لضوابط صارمة من الولاء والتقيد بالتقاليد واحترامها وكان الفشل في التقيد يدفع الياباني لممارسة (الهاراكيري) والذي يعني الانتحار ببقر البطن، هذه تقاليد ايجابية استخدمت لدعم نظام العمل في الرأسمالية اليابانية والذي كان احد اهم اسباب تفوقها اللاحق على الرأسمالية الامريكية.
امريكا خططت لتغيير اليابان بحيث تفصل قيم البوشيدو عن الرأسمالية وتضعف ثم تزول وتسود القيم الرأسمالية من اجل ادماجها في كونية المشروع الرأسمالي الامريكي رغم ان البوشيدو كانت توفر انضباطا اجتماعيا نادرا حتى في ظل نظام رأسمالي يتقدم، فخدمت القيم الاقطاعية النظام الراسمالي في حالة فريدة واستثنائية! هنا نكتشف احد اسس خرابنا وهو ان الغرب تعمد ابقاء سلبيات نظمنا الاجتماعية وغذاها وغلبها على كافة الايجابيات في تقالدينا وسرطنها اي غير (الجينات الوراثية) لكل من الرأسمالية والاقطاع وجعلهما يفتكان بنا تدريجيا من الداخل خصوصا افساد الانسان.
لم خلص الغرب الدول غير العربية من الارث الاقطاعي والامبراطوري وزرع الرأسمالية وحققت تقدما هائلا بينما ابقى الارث الاقطاعي والعبودي قويا بل غذاهما عمدا في الاقطار العربية؟ الجواب هو ان الغرب لديه صراعات حضارية قديمة مع العرب خصوصا منذ الحروب الصليبية، تذكروا ماذا قال الجنرال غورو عند قبر صلاح الدين : (هاقد عدنا يا صلاح الدين)! بينما الدول الاسيوية ليست لها صراعات مع الغرب بحدة وعمق الصراعات مع العرب وليس فيها نفط يقرر مصير العالم الحديث، وليس لها صراع مع الصهيونية، وتلك عوامل محورية في جعل الغرب يتعمد تشويه البنى الاجتماعية والثقافية العربية كي تبقى متأخرة وتنهب ثروات العرب بسهولة وتضمن الصهيونية وجود عرب عاجزين عن اللحاق بها في كافة المجالات.
لكي تكتمل الصورة يجب ان نتذكر بان مصر كانت قد حققت تقدما علميا وثقافيا وحافظت عليه حتى وصول البريطانيين اليها واحتلالها وبدا عملية تدمير الثقافة الوطنية المصرية وفقا لخطة موضوعة عمدا. والعراق كان يتمتع بواحد من افضل نظم التعليم العالمية وكان العالم يعترف بشهادة العراقي في الطب وغيره لكنه ما ان وضع تحت مطرقة الغرب والصهونية بعد تأميم النفط حتى اخذ يتعرض لمسلسل من التأمر المتتابع والفعال لتدميره وخلخلة بناه العلمية والنفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما تحقق بالفعل.
كان الغرب يدعم كل نهضة تكنولوجية في البلدان غير العربية مثل النمور الاسيوية والهند ولكنه على العكس كان يتعمد ابقاء التخلف وزيادته في الوطن العربي ويسمح فقط بقدر يخدم المشروع الاستعماري العام، وان ظهرت بوادر تقدم ونهضة وطنية او قومية تجهض بتدخل خارجي يتخذ اشكالا مختلفة تبدا بالتخريب الثقافي واثارة ودعم الثقافات السابقة لثقافة الامة وتنتهي بالغزو والحصار والتجويع والحروب المستمرة واشعال الفتن العرقية والطائفية. الم يكن العراق انموذجا لهذه الخطط حيث وصل العراق في نهاية السبعينيات الى مصاف الدول المتقدمة واعترفت الامم المتحدة بان العراق اذا واصل تقدمه فسوف يدخل نادي الدول المتقدمة في مطلع القرن الحادي والعشرين لكن الغرب الاستعماري والصهيونية دمرا تلك الامكانية؟
وكما ان عبدالناصر بدأ مسيرة التقدم وتعزيز دور الانسان العربي المصري فضرب واسقط نظامه كي لا تكتمل عملية نهضة مصر فان العراق حقق تقدما هائلا علميا وتكنولوجيا وازال الامية والفقر والامراض المستوطنة وصنّع الزراعة واقام صناعة ثقيلة واعد علماء ومهندسين وفنيين بالالاف خلال عشرة اعوام وبدأ النهضة الشاملة والعملاقة والتي ادهشت العالم فماذا حصل؟ من اجهض تلك النهضة العظيمة؟
الغرب والصهيونية هما من اجهضا عملية النهضة العامة عندما سلطا خميني على العراق فجره جرا الى الحرب واضطر لايقاف مشاريع تنمية عملاقة، كان اكتمالها مفتاحا لانتقال اول قطر عربي الى مصاف الدول المتقدمة. اذن هل حالة العراق الان ومصر ناصر قبلها هي ثمرة فشل من بنى العراق القوي المتقدم الناهض ومصر القوية؟ ام انه نتيجة القرار الستراتيجي الغربي الصهيوني؟
يتبع....
Almukhtar44@gmail.com
12-3-2015
شبكة البصرة
الخميس 21 جماد الاول 1436 / 12 آذار 2015
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

اللهم إن لك في كل ليلة عتقاء
من النار فاجعل احبتي
من عتقائك من النار يارب العالمين
لك ودي وتقديري قبل ردي وتعبيري

صفحة 1 من اصل 1