لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
هُمْ طُفَيْـليُّـونَ
لَمْ يُدعَـوا إلى عُـرسٍ
وَلم يُفتَـحْ لَهُمْ بابُ عَـزاءْ .
خَلَطوا أنفسَهُمْ في زَحْمـةِ النّاسِ
فَلمْا دَخَلـوا ذاكَ تغَطَّوا بالزّغاريـدِ
وَلمّا دَخَلوا هذا تَغطّـوا بالبُكاءْ .
ثُمَّ لمّا رُصَّـتِ الأطباقُ
لَبـَّـوا دَعوةَ الدّاعي
وَما الدّاعي سِوى قِـدْرِ الحَساءْ !
وَبأفـواهِ بِحـارٍ
بَلِعوا الأطباقَ والزَادَ مَعاً
وانقلبَ الباقونَ مِن دُونِ عَشاءْ .
***
لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
ألفُ كـلاّ
هِيَ دَعوى ليسَ إلاّ..
زَعَموا أنَّ لَهُمْ حَقّاً علينا
وَبهذا الزَعْمِ.. صاروا زُعَماءْ !
وَأذاعوا: ( كُلُّنا راعٍ..)
وَظنّوا أنَّهُمْ في الأرضِ ر عيانٌ
وَظنّوا أَنَّنا قُطعانُ شاءْ !
ثُمَّ ساقُونا إلى ا لمَسْلخِ
لماّ لم نَجدْ في ظِلِّهمْ مرَعى
وأسْرَفنا بإطلاقِ الثُّغاءْ !
***
ليسَ مِنّا هؤلاءْ .
هُمْ على أكتافِنا قاموا عُقوداً
دُونَ عَقـدٍ..
وأَقاموا عُقَدَ الدُّنيا بنا دونَ انتهاءْ .
وانحنَينا كالمطايا تحتَ أثقالِ المَطايا..
وَلِطُـولِ الانحنـاءْ
لَمْ تَعُدْ أعيُننا تَذكُرُ ما الشَّمسُ
ولا تَعرفُ ما مَعنى السَّماء !
وَنَزحْنا الذَّهـبَ الأسْودَ أعواماً
وَمازالَتْ عُيونُ الفَقْرِ تبكينا
لأنّا فُقـراءْ !
ذَهَبَ الموصوفُ في تَذهيبِ دُنياهُمْ
وَظَـلَّ الوَصْـفُ في حَوْزتنا
للِجِسْم والرّوحِ رداءْ !
***
ليسَ مِنّا هؤلاءْ.
لَمْ نُكلِّفْ أحَداً منهُمْ بتَطبيبٍ
ولا قُلنا لَهُمْ هاتُوا الدَّواءْ .
حَسْبُنا، لو صَدَقوا،
أن يَرحلوا عَنّا بَعيداً
فَهُمُ الدَاءُ ا لعَياءْ .
كُلُّ بَلوى بَعْدهُمْ سَلْوى
وَأقـوى عِلَّـةٍ
في بُعْدِهِمْ عَنّا.. شِفاءْ !
***
لَيسَ مِنّا هؤلاءْ .
أنتَ تدري أنّهُمْ مِثلُكَ عَنّا غُرَباءْ
زَحَفوا مِن حَيث لا ندري إلينا
وَفَشَوا فينا كما يَفشُو الوَباءْ .
وَبَقُوا مادُمتَ تَبغي
وَبَغوا حتّى يُمدُّوكَ بأسبابِ الَبقاءْ !
أنتَ أو هُمْ
مُلتقى قَوْسين في دائِرةٍ دارتْ عَلَينا :
فإذا بانَ لِهذا المنتهى
كانَ بذاك الابتداءْ .
مُلتقى دَلْوينِ في ناعُورةٍ :
أنتَ وَكيلٌ عن بَني الغَرْبِ
وَهُمْ عنكَ لَدَينا وُكلاءْ !
***
ليسَ منّا هؤلاء
إنهم منكَ
فإنْ وافَوكَ للتَّطبيعِ طَبِّعْ مَعَهُمْ
واطبَعْ على لَوحِ قَفاهُمْ ما تَشاءْ .
ليسَ في الأمرِ جَديدٌ
نَحنُ نَدري
أنَّ ما أصبحَ تطبيعاً جَلِيّاً
كانَ طبْعاً في الخَفاءْ !
وَلَكُمْ أن تَسحبوا مِفرشَكُمْ نحو الضُّحى
كي تُكمِلوا فِعْلَ المَساءْ .
شأنكُمْ هذا
ولا شأنَ لَنا نَحنُ
بِما يَحدُثُ في دُورِ البِغاءْ !
***
ليسَ مِنَا هؤلاء .
ما لَنا شأنٌ بما ابتاعُوُه
أو باعُوهُ عَنّا..
لَمْ نُبايعْ أَحَداً منهُمْ على البَيعِ
ولا بِعْناَ لَهُمْ حَقّ الشّراءْ .
فإذا وافَوكَ فاقبِضْ مِنهُمُ اللَّغْوَ
وَسَلِّمْهُم فَقاقيعَ الهَواءْ .
وَلَنا صَفْقَتُنا :
سَوفَ نُقاضِيكَ إزاءَ الرأسِ آلافاً
وَنَسقيك كؤوسَ اليأسِ أضعافاً
وَنَسْتَوفي عَن القَطرةِ.. طُوفانَ دِماءْ !
***
أيُها الباغي شَهِدْتَ الآنَ
كيفَ اعتقلَتْ جَيشَكَ رُوحُ الشُّهداءْ .
وَفَهِمتَ الآنَ جدّاً أنَّ جُرْحَ الكبرياءْ
شَفَةٌ تَصرُخ أنَّ العَيشَ والموتَ سواءْ .
وَهُنا في ذلِكَ الَمعنى
لَنا عِشرونَ دَرْساً
ضَمَّها عِشرونَ طِر سا
كُتِبتْ بالدَّمِ والحقْدِ بأقلامِ العَناءْ
سَوفَ نتلوها غَداً
فَوقَ البَغايا هؤلاءْ !
أحمد مطر