تؤكد دراسة إسرائيلية أن ميزان القوى الراهن بين المقاومة في الشرق الأوسط وبين أعدائها وخصومها شبه متوازن ويميل لصالحها وأنها تهدد إسرائيل أكثر من الجيوش النظامية.
وتوضح الدراسة الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بعنوان "تحدي المقاومة، خواصها والطرق الإسرائيلية الممكنة لمواجهتها"، أن المقاومة غيّرت وجه المنطقة كما تدلل التحولات الهامة بالساحتين الفلسطينية واللبنانية والتي عززت فكرة المقاومة كمفهوم مهيمن لدى غالبية الجماهير في المنطقة.
ويقول معد الدراسة الدكتور ميخائيل ميليشطاين ضمن مجلة شهرية إن قادة مشروع المقاومة لم ينجحوا بعد في ترجمة الفكرة لنظام بديل في المنطقة لكنها مرتبطة بعمق بمسيرات ثقافية واجتماعية وسياسية فيها، ويقترح التنازل عن فكرة القضاء على المقاومة بضربة عسكرية قاضية وتبني معركة استنزاف طويلة لا تتمحور في قوتها العسكرية وتسعى لزعزعة أسسها وركائز تبلورها في وعي الناس.
"
بنظر الدراسة حققت قوى المقاومة في هذه الفترة إنجازات واضحة
"
أهداف وإنجازات
وتستذكر الدراسة أن المقاومة بلغت ذروتها في المنطقة قبل عقدين وحازت شعبية واسعة غير مسبوقة، وتقول إن قيادتها الجديدة صبت فيها دلالات فكرية مختلفة وحددت أهدافها الحالية: بناء نظام بديل في المنطقة بروح إسلامية، مكافحة تأثير الغرب، والأهم محاربة إسرائيل حتى إبادتها.
وبنظر الدراسة حققت قوى المقاومة في هذه الفترة إنجازات واضحة كالسيطرة على مساحات أرض وبناء قوة عسكرية وزرع أفكارها بوعي العامة حتى باتت تشكل تهديدا خطيرا لإسرائيل.
في المقابل تزعم الدراسة أن المقاومة تستبطن "مشاكل أساسية" أبرزها الطابع الغامض وغير المتجانس للقوى المحسوبة عليها من نواحي الانتماء الطائفي والأيديولوجي والإطار البنيوي إضافة لغياب منظومة فكرية موحدة.
وتشير الدراسة إلى أن المقاومة تعتمد فكرة استنزاف العدو، وعدم الاعتراف به وبشرعيته والتضحية والصمود والمثابرة والصبر حتى تحقيق الانتصار لا بالحسم العسكري المباشر بل حرمانه منه وإحباط تسويات سياسية مع إسرائيل والتطبيع معها.
الاستنزاف
ويلفت الباحث إلى أن المقاومة تضع إسرائيل اليوم في تحد جديد بعد تبني عناصرها ذات السيادة الكاملة كإيران وسوريا أنماطا قتالية تستخدمها المنظمات المسلحة، وبعد حيازة هذه المنظمات قدرات جيوش نظامية.
ويدعو إسرائيل لتعديل طريقة تفعيل طاقتها العسكرية وتغيير تعريف مفهوم أمنها القومي في ظل تراجع قوة تهديدات تقليدية لدول كانت تشكل خطرا أساسيا عليها في عقودها الأولى.
وترى الدراسة التي تراجع دروس حربي لبنان وغزة الأخيرتين، أن مواجهة المقاومة عملية مركبة كونها متعددة الأوجه والمجالات وبسبب تعاظم قوتها تدريجيا وببطء والأهم أنها تطرح تهديدا خطيرا يقوم على الاستنزاف الطويل الأمد الذي يستهدف مناعة المجتمع في إسرائيل.
وتوصي إسرائيل بفهم التحولات الجيوإستراتيجية الناشئة في المنطقة، مؤكدة أنه "ينبغي تبني الافتراض بأن المقاومة خطر زاحف لا مجرد ظاهرة عابرة وسط عملية تسلح تجعل الواقع قابلا للانفجار رغم الهدوء الراهن على الجبهتين اليوم".
وتدعوها أيضا للكف عن محاولات يائسة للنيل من صورة قوى المقاومة لدى الجمهور الواسع بتحميلها مسؤولية الدمار البالغ الناجم عن المواجهات معها، والتعلم من المقاومة التحلي بالنفس الطويل وتحديد أهداف قابلة للتحقيق.
"
الدراسة تحذر من وهم الإجهاز على المقاومة في معركة واحدة وتدعو لتفادي احتلال كامل أراضي المقاومة لمدة طويلة
"
سوريا وإيران
ويحذر الباحث من وهم الإجهاز على المقاومة في معركة واحدة ويدعو لتفادي احتلال كامل أراضي المقاومة لمدة طويلة منوها بالتجربة "المرة" في لبنان والعراق.
ويذكر بضرورة شن حملات عسكرية واسعة نسبيا مرة كل بضع سنوات، ويشدد على أهمية الرد الإسرائيلي "غير المتناسق" كي يدفع العدو ثمنا باهظا من أجل ردعه.
وبذلك تكرر الدراسة أفكارا مشابهة صدرت عن قيادات إسرائيلية منها قائد أركان الجيش السابق دان حالوتس "بمستوى العيون" الذي يدعو في كتابه الصادر هذا الشهر لتحطيم البنى التحتية المدنية في لبنان لحسم المقاومة فيها.
ويقترح أن تكون الحملة على المقاومة شرسة وقصيرة تستهدف فيها البنى التحتية العسكرية والمدنية على أن ترافقها حملة دعائية بالعالم وتهيئة مسبقة للإسرائيليين.
كما تنوه لتفادي إسقاط حكم المنظمات التي تحمل ملامح سيادية كحركة حماس في غزة خوفا من حلول الفوضى العارمة كما دللت تجربة الولايات المتحدة في العراق.
وبذلك تتقاطع الدراسة مع فلسفة رئيس حكومة إسرائيل الأول ديفد بن غوريون الذي اعتبر أن هدف المعركة العسكرية ضمان أكبر حيز من الهدوء حتى المعركة القادمة.
في المقابل يشير الباحث إلى ضرورة تنمية وتعزيز قوة كيانات سياسية تشكل وزنا مقابلا لقوى المقاومة كحكومتي الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
وفيما تدعو الدراسة لمواصلة المساعي لحرمانها من السلاح النووي الذي سيزيد قوة ردع المقاومة، فإنها ترى بتحييد تهديدات سوريا "علمانية الطابع" بواسطة تسوية معها، دون تحديد معالمها بهدف المساس بصلاتها مع بقية قوى المقاومة.