لا تقل يا رب عندي هم كبير - اقتباس: نور اليقين
------------------------------
لا تَقُل: يا رب عندي هَـمّ كبير، ولكن قُل: يا هـمّ عندي ربّ كبير ! شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام، حينما بَثّ حُزنه وشكواه إلى الله، فقال:
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾.قال ابن كثير في تفسير الآية :﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي ﴾أي : هَمِّي وما أنا فيه﴿ إِلَى اللَّهِ ﴾ ) وَحْدَه . اهـ .وقال ابن عادل الحنبلي : والبَثُّ : أشَدُّ الحزن ، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق حَمْله . اهـ .وقال القاسمي : أي : لا أشكو إلى أحدٍمنكم ومِن غيركم ، إنما أشكو إلى ربي داعيًا له ، وملتجئا إليه ، فَخَلّوني وشِكايتي .﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ ﴾أي : لمن شكا إليه من إزالة الشكوى ، ومَزِيد الرحمة :﴿ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ما يُوجب حُسن الظنبه ، وهو مع ظنّ عَبْدِه بِه . اهـ .ووقفتُ مع شكوى الْمُجادِلَة ..﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾وفي بعض الآثار : " قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفِراق زوجي " .فـ الْهَمّ العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله ؛ لأنه لا يَكشفه إلاّ الله .فَشَكوى الْهَـمّ إلى الله مشروعة ، بل هي مطلوبة شرعا ..واشتُهِر عن عليّ رضي الله عنه قوله : أشكو إلى الله عُجَري وبُجَري .قال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني .قال أبو إسحاق الشيرازي :لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا *** وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجـدُوقُلتُ يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة *** ومَن عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمدأشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا *** ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُوقد مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً *** أليك يا خير من مُـدَّتْ أليـه يـدُفـلا ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً *** فبَحْرُ جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِدولا يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله ؛ لأن في الشكوى تخفيفا وتسلية .. " وهذا مالم يكن الـتَّشَكِّي على سَبيل الـتَّسَخُّط ، والصبر والتجلّد في النوائب أحسن ،والتعفف عن المسألة أفضل ، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى " كما قال القرطبي .وربما شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يَجِدون ..قَال خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه : شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ .. رواه البخاري .وقال رضي الله عنه : شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة في الرمضاء فَلَم يُشْكِنا . رواه مسلم .وفي المسْنَد : قال الزبير بن عدي : شَكونا إلى أنسبن مالك ما نلقى من الحجاج ! فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم عام - أو يوم - إلاّ الذي بعده شرّ منه ، حتى تلقوا ربكم عز وجل . سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم .قال أبو طلحة رضي الله عنه : شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع .. رواه الترمذي .وقال الحارث بن يزيد البكري : خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. رواه الإمام أحمد .وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشكو جارَه ... رواه أبو داود .وعند البخاري من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ ؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ ...والعَيْلة : هي الفَقْر .قال القرطبي في تفسيره : فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه ، إلاَّ أن يكون على وَجه البثّ والـتَّسَلِّي . اهـ .وعلى كُلّ فإن قولهم : " لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير " ، وإن كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا ، إلاّ أنّ قولهم : " لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير " ، مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله .. وهذا خِلاف المشروع من شكوى الْهَمّ إلى الله الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..وأنشد بعضهم :إذا الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى *** وكادت تَذوبلَهُنّ الْمَهْجوحَلّ البلاء وقَلّ العَزاء *** فعند التناهي يكون الفَرَجلفضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله