محمد خير حمزات
أشكال النضال والجهاد عديدة منها ما يكون ببذل المال والتضحية بالنفس و منها أيضا ما يخطه القلم وترصده الكلمة التي لها شأن ومكان وقوة وسلطان فالشهداء يسطرون بدمائهم أروع البطولات والملاحم على أرض أوطانهم كما أن الكلمة تجسيد صادق وتعبير لا تشوبه شائبة حين تصور وترصد تلك البطولات والملاحم وحين تصف ما جرى وما يجري على أرض الوطن من ذكريات جميلة وأليمة 0
(( شاعرنا الراحل الأستاذ سهيل متو))
استطاع بعيون المحب وقلب المتيم وروح العاشق وجرأة الثائر أن يصور ويصف لنا بقصيدته الرائعة ( الديار ) ــــ بلدتنا تلحوم ـــ موقعها الجميل بين الخميلة والربا والبحر وشطه ( بحيرة طبريا ) والنسيم العليل وشدو الطيور ورقصها على وقع أنغام أمواج البحيرة التي تغسل الشمس به وحهها صباح مساء كما يصف شاعرنا المرحوم البرج / وهذا مكان يعرف لدى أهل القرية بالمنطة / حيث كان الصبية يقفون عليه استعدادا لرمي أنفسهم بماء البحيرة من أجل السباحة والغوص كما يذكّر شاعرنا بأن أرض تلحوم أرض مباركة ومقدسة كما كل فلسطين وطأتها أقدام الأنبياء والرسل فأقام بها السيد المسيح وشرفها النبي أيوب ويوسف وأباه يعقوب 0
لكن الحزن والأسى على ضياع الأرض والديار التي أصبحت بعيدة المنال ولم يبق إلا الشقاء والتذكار يدركه الشاعر بالحقيقة المرة حين تقع المصيبة والهزيمة الكبرى التي كان أحد أسبابها التقاعس والتكاسل والتخاذل والاستهتار باليهود بالوقت الذي كان اليهود يعدون العدة ومن ورائهم دول كبرى تساندهم بالمال والسلاح والقرار لتكون نكبة أيار ويشرد أهل الديار في كل الأمصار 0
ومن خلال بعض الأبيات يرصد شاعرنا ويؤرخ ساعة وقوع الجريمة الكبرى أنه ومع الصباح وبغفلة من الناس تنقض آليات العدو الصهيوني على القرية / تلحوم / وتطوقها من كل الجهات وتطلق نيرانها على كل شئ متحرك حتى الحيوانات لم تسلم من حقد اليهود وكان يومها موسم الحصاد لكنهم داسوا حقول السنابل بإقدامهم الهمجية وأرعبوا واستبكوا الأطفال الذين تراكضوا مع ذويهم هائمين على وجوههم حفاة عراة تاركين كل شئ ورائهم خوفا وفزعا حتى وصلوا إلى مكان يسمى / البطيحة / في سوريا وهنا ترى الناس مجتمعين وفرادى وجوههم كئيبة حزينة عابسة ناهيك عن النساء المفجوعات كأنهن بمأتم دموعهن تنهمر انهارا وينحبن وينثرن التراب على رؤوسهن من هول المصيبة التي ألمت بأهل الديار الذين هجروا عنوة وأحرقت بيوتهم 0
وقع القضاء وكان الشتات واللجوء والتشرد وويلاته وفقدت الأرض والهوية لكن شاعرنا بروحه الثورية المتفائلة يتوعد الصهاينة بالأخذ بالثار وسيكون عليهم يوما أقوى وأقسى من الإعصار 0
مقتطفات من قصيدة (الدّيار)
تلحوم في وسط الخميلة والربا فــــي دوحها ميّاسة معطار
يا جنة الدوح الخصيب ببلدتي تلحوم هونك مســرح ومزار
يــا ريــــــــح عنبــرها قرنفلة عجب النبات ودفلـة والغــار
والمشط من سمك كذلك بطها يا للأسى قد ضاعت الآصار
نأسى عليك وفي البعاد شقاوة يــــا دار منك يهجينا تذكــار
أين البشاشة والحبور بمربع بل أين ما سمرت به السمار
حم القضاء بنا فكان شــتاتنا فــي كـل صقع ينزوي أنفـار
متشردون نهيم دون هويـــة بترابنا تتعلق الأنظـــــــــار
منظومة الحلقات في تاريخنا عبر الزمان وأننا ثـــــــــوار
قمنا كما عاد الغضنفر واثبا في ثورة من عزمها إصرار
لابد يا صهيون من ثأر لنا يوما تراه كأنـه إعصـــــــار
نبذة عن حياة شاعر تلحوم / سهيل متو/
ــ ولد في قرية تلحوم عام /1941/
ــ خريج كلية الآداب ـ قسم التاريخ ـ جامعة دمشق /1970/
ــ حاصل على دبلوم في التربية من جامعة دمشق /1972/
ــ له ديوان شعر ي بعنوان ( الديار )
ــ له قصائد مخطوطة لم تنشر
ــ نشر في عدة بلدان عربية
ــ أقام الكثير من الأمسيات الشعرية
ــ له مساهمات عديدة في التعريف بقرية تلحوم
ـ توفي في دمشق