ثالثًا : الإجماع :
أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم- على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف ، حيث روي ذلك عمن تقدم ذكرهم من فقهاء الصحابة ومشاهيرهم، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف(انظر : المغني ، 1/147 ، المجموع للنووي ، 2/80 ، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، 21/266 .)، فكان إجماعًا سكوتيًا(إظهار الحق المبين ، ص ، 17 .)، بل كان ذلك هو المستقر عند الصحابة زمن النبوة وبعده ويدل عليه قصة إسلام عمر ، فإنه حين دخل على أخته وزوجها وهم يقرؤن القرآن فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم أقرؤه ، فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم واغتسـل، أو توضأ، فقام عمر فتوضأ،ثم أخذ الكتاب ، فقرأ طه(رواه الدارقطني (1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطني : الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده مطولاً . قال المؤلف : تفرد به القاسم بن عثمان وليس بالقوي. وقال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها .)، والبيهقي(في السنن الكبرى ، 1/88 .).
وروي عن علقمة قال : كنا مع سلمان الفارسي في سفر ، فقضى حاجته، فقلنا له : توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن ، فقال : (سلوني ، فإني لست أمسه ، فقرأ علينا ما أردنا ، ولم يكن بيننا وبينه ماء) وفي لفظ آخر أنه قال : (سلوني فإني لا أمسه ، إنه لا يمسه إلا المطهرون ) (مصنف ابن أبي شيبة ، 1/103 ؛ سنن الدارقطني ، 1/123 وقال في التعليق المغني على سنن الدارقطــــــني : هذا إســـــناد صحيح موقوف على سلمان ، والسنن الكبرى للبيهقي، 1/88، ومعرفة السنن والآثار ، 1/185، والمحلى ، 1/84 .) .
قال البيهقي بعد روايته هذا الأثر : (وكأنهم ذهبوا – القائلون بعدم جواز مس المصحف – في تأويل الآية إلى ما ذهب إليه سلمان ، وعلى ذلك حملته أخت عمر ابن الخطاب في قصة إسلامه) (معرفة السنن والآثار ، 1/185 .) .
وروى الإمام مالك بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال : (كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت ، فقال سعد : لعلك مسست ذكرك ؟ قال : قلت : نعم ، فقال : قم فتوضأ ، فقمت فتوضأت ثم رجعت ) ( الموطأ ، 1/90،ورواه أبو داود في المصاحــــــف، ص ، 211 ، والبيهقي في السنن الكبرى، 1/88.قال في إرواء الغليل ، 1/161 : (وسنده صحيح ) .) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سوقه لهذه الآثار وغيرها
وكذلك جاء عن خلق من التابعين من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين وهذا يدل على أن ذلك كان معروفًا بينهم ) ( شرح العمدة ، 1/383 .) .
القول الثاني : أنه يجوز للمحدث حدثًا أصغر مس المصحف.
روي القول بهذا عن: ابن عباس ، والشعبي ، والضحاك(الجامع لأحكام القرآن ، 17/226 ، نيل الأوطار ، 1/261 .)، والحكم ابن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وداود الظاهري(المغني 1/147 ، المجموع للنووي ، 1/79 ، وقالا أيضًا : وروي عن الحكم وحماد : جواز مسه بظاهر الكف ، دون باطنه .)، وهو مذهب الظاهرية(وقد تقدمت الإشارة إلى أن أهل الظاهر يرون جواز مس المصحف للمحدث مطلقًا، سواء كان حدثه أكبر أو أصغر . وانظر : المحلى ، 1/77 .).
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي :
1 – ما ثبت في الصحيحين (صحيح البخاري ، 1/9 ، صحيح مسلم ، 5/165 .) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث دحية الكلبي إلى هرقــل عظيـــم الـروم بكتاب يدعـوه فيه للإســــــلام ، وفيه قــــول الله تعالى : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [ آل عمران 64].
قال ابن حزم : فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث كتابًا وفيه هذه الآية إلى النصارى، وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب (المحلى ، 1/83 .). فإذا جاز مس الكافر له ؛ جاز للمسلم المحدث من باب أولى(انظر : المجموع ، 1/79 ؛ إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .) .
2 – أنه لم يثبت النهي عن مس المصحف لا في الكتاب ، ولا في السنة فيبقى الحكم على البراءة الأصلية، وهي الإباحة
(انظر : المصدرين السابقين .).
3 – ولأن قراءة القرآن لا تحرم على المحدث،فيكون المس أولى بعدم التحريم(انظر : بداية المجتهد ، 1/30 ؛ إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .).
4 – ولأن حمل المصحف في متاع ونحوه لا يحرم على المحدث ، فكذلك المس قياسًا عليه(انظر : المجموع ، 1/79 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 3 .) .
5 – ولأن الصبيان يحملون ألواح القرآن وهم محدثون من غير نكير في جميع العصور ، فدل على إباحة مسه لكل محدث (انظر : المصدرين السابقين .) .
الإجابة عن أدلة القول الأول :
أجاب القائلون بعدم تحريم مس المصحف على المحدث عن أدلة الجمهور القائلين بتحريم مس المصحف بما يأتي :
1 – أن قـوله تعالى : (لا يمسه إلا المطهرون ) خبر ، وليس بأمر بدليل: رفع السين في قوله سبحانه : ( لا يمسه ) ولو كان نهيًا لفــتح السين فلا يــجوز أن يصــرف لفـظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي ، أو إجماع متيقن ، ولم يثبت شيء من ذلك .
ولأن المصحف يمسه الطاهر ، وغير الطاهر ، فدل على أن الله عز وجل لم يعن بالمصحف المذكور في الآية هذا الذي بأيدي الناس ، وإنما عني كتابًا آخر ، وهو الذي في السماء (انظر : المحلى ، 1/83 ، بداية المجتهد ، 1/30 .) .
كما أن المراد بالمطهرين في الآية الملائكة لأنهم طهروا من الشرك والذنوب، وليسوا بني آدم ؛ لأن المطهر من طهره غيره ، ولو أريد بهم بنوا آدم لقيل : المتطهرون(انظر : بداية المجتهد ، 1/30 ، شرح العمدة ، 1/384 .).
2 – أن الأحاديث التي استدل بها على تحريم مس المصحف على المحدث كلها ضعيفة ، ولا يخلوا إسناد واحد منها من قدح وعلة ، فلا تقوم بها حجة ، ولا تصلح للاحتجاج ، قال ابن حزم : (فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه ، فإنه لا يصح منها شيء ، لأنها إما مرسلة، وإما ضعيفة لا تسند، وإما عن مجهول ، وإما عن ضعيف ، وقد تقصيناها في غير هذا المكان) (المحلى ، 1/81 .) .
3 – أن دعوى الإجماع غير متيقن ، بدليل وجود المخالف من التابعين ومن بعدهم(انظر : المحلى ، 1/83 .) .
الإجابة عن أدلة القول الثاني :
أجاب الجمهور القائلون بعدم جواز مس المصحف للمحدث عن أدلة القائلـين بالجواز بما يأتي :
1 – أجيب عن الدليل الأول : بأن الحديث إنما يدل على جواز مس الرسالة أو الكتاب إذا تضمن آية من القـرآن ونحوهــــا ، ومثل هذا لا يسمى مصحفًا ولا تثبت له حرمته ، وذكر الآيتين في الكتاب إنما قصد بها تبليغ الدعوة فيختص الجواز بمثل ذلك (انظر : الشرح الكبير ، 1/95 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 17 .).
قال الحافظ ابن حجر : (إن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين ، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو التفسير ، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور ؛ لأنه لا يقصد منه التلاوة ، ونص أحمد : أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ وقال به كثير من الشافعية ، ومنهم من خص الجواز بالقليـل كالآية والآيتين ) (فتح الباري ، 1/408 .).
2 – وأجيب عن الدليل الثاني : بعدم التسليم بأنه لم يرد في الكتـاب ولا في السنة ما يدل على تحريم المس ، بل ورد فيهما ما يدل على ذلك كما سبق ذكره في أدلة الجمهور ، فلا يبقى الحكم على البراءة الأصلية ، لثبوت الدليل الناقل استنباطًا من القرآن ، ونصًا من السنة الصحيحة .
3 – وأجيب عن الدليل الثالث : بأن القراءة على غير طهارة إنما أبيحت للمحدث حدثًا أصغر للحاجة ، ولعسر الوضوء للقراءة كل وقت ، وإذا حصلت المشقة جاء التيسير ؛ لأن المشقة تجلب التيسير(انظر : المجموع شرح المهذب ، 1/80 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 18 .).
4 – وأجيب عن الدليل الرابع : بأن قياس مس المصحف على حمله في المتاع قياس مع الفارق ؛ لأن الحامل له في متاعه لا يباشر مسه ؛ ولأنه غير مقصود بالحمل بخلاف حمله وحده فإنه مقصود لذاته(انظر : المصدرين السابقين .).
5 – وأجيب عن الدليل الخامس: بأن الألواح التي يحملها الصغار وهم محدثـون لا تسمى مصحفًا؛ إذ لا يكتب فيها إلا شيء يسير من القرآن تقتضيها ضرورة التعليم(انظر : المصدرين السابقين .) ولأنهم غير مكلفين(انظر : بداية المجتهد ، 1/30 .).
الإجابة عن اعتراض القائلين بالجواز على أدلة المانعين :
أجاب جمهور العلماء عن اعتراض القائلين بجواز مس المحدث المصحف على أدلة التحريم بما يأتي :
أولاً : أنا نمنع أن قوله سبحانه : ( لا يمسه ) خبر فقط ورفع السين فيه لا ينـفي إرادة النهي ، بل هو خبر تضمن نهيًا ؛ لأن خبر الله لا يكون خلافه، وقد وجد من يمس المصحف على غير طهارة ، فتبين بهذا أن المراد النهي ، وليس الخبر، وقــــد ورد مثــل هذا كثــير في الكتاب والســــنة ، ومنه قولـــه عز وجل
لا تضار والدة بولدها )[البقرة233] فإنه خبر تضمن نهيًا ، ومنه في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ) بإثبات الياء، فإنه خبر تضمن نهيًا(انظر : المجموع شرح المهذب ، 1/80 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 18 .).
وأما القول بأن الضمير في قوله سبحانه : ( لا يمسه)إنما يعود على الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ، لا على المصحف الذي بأيدي الناس، فالجواب : أن قولــــه سبحانه : ( تنزيل من رب العالمـــين)بعد قوله سبحانه : (لا يمسه إلا المطهرون) فيه دلالة ظاهرة على إرادة المصحف الذي بأيدي الناس، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح(انظر : المصدرين السابقين . وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ، 17/225 : (وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر ) .) .
كما أن القول بأن المراد بـ المطهرين في الآية هم الملائكة وليسوا بني آدم؛ لأن المطهرين هم الذين طهرهم غيرهم ، وأنه لو أريد بهم بنو آدم لقيل(المتطهرون).
فالجواب : أن المتوضئ يطلق عليه طاهر ومتطهر، وهذا سائغ لغة (انظر : المصدرين السابقين .).
ومع التسليم بأن المراد بـالمطهرين الملائكة كما هو قول جمهور المفسرين، فإنه يمكن الاستدلال بالآية بقيـاس بنــي آدم على الملائكة (انظر : كشاف القناع ، 1/134 .) ، أو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (من باب التنبيه والإشارة ؛ لأنه إذا كانت الصحف التي في السماء لا يمسها إلا المطهرون ، فكذلك الصحف التي بأيدينا من القرآن لا ينبغي أن يمسها إلا طاهر ، والحديث مشتق من هذه الآية) (التبيان في أقسام القرآن، 1/402، وانظر نحوه في: البحر الرائق، 1/211 نقلاً عن العلامة الطيبي.).
وقال أيضًا : (الوجه في هذا والله أعلم أن الذي في اللوح المحـفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه سواء كان المحل ورقًا أو أديمًا أو حجرًا أو لحافًا ، فإذا كان مِنْ حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك ؛ لأن حرمته كحرمته ، أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن سواء كان في السـماء أو الأرض ، وقد أوحـــى إلى ذلك قوله تعالى : (رسول من الله يتلو صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة) [البينة2-3]، وكذلك قوله تعالى: (في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة) [عبس 13-14] فوصفها أنها مطهرة فلا يصلح للمحدث مسها) ( شرح العمدة ، 1/384 .) .
وقال أبو عبد الله الحَلِيمِي الشافعي : (إن الملائكة إنما وصلت إلى مس ذلك الكتاب ؛ لأنهم مطهرون ، والمطهر هو الميسر للعبادة ، والمرضي لها ، فثبت أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف ، والمحدث ليس كذلك ؛ لأنه ممنوع عن الصلاة والطواف ، والجنب والحائض ممنوعان عنهما ، وعن قراءة القرآن فلم يكن لهم حمل المصحف ولا مسه ) (معرفة السنن والآثار للبيهقي ، 1/187 .) .
وقال الجصاص : ( إن حُمِلَ –لفظ الآية – على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عمومًا فينا ، وهذا أولى ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم : (ولا يمس القرآن إلا طاهر) (سبق تخريجه في ص ، 8 .) فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيه احتمال له ) (أحكام القرآن ، 3/416 .) .
ثانيًا:أن دعوى عدم صحة الأحاديث: وأنها لا تصلح للاحتجاج بها والعمل بها غير مسلم ، فإن تلك الأحاديث التي استدل بها الجمهور على تحريم مس المصحف على المحدث وإن كان لا يخلو إسناد كل واحد منها من مقال إلا أنها بمجموع طرقها ترقى في أقل أحوالها إلى درجة الحسن، فصلح الاحتجاج بها، ووجب العمل بها ، كما قال ذلك عدد من أئمة الحديث المشهورين كما تقدم نقل كلام بعضهم .
ومن ذلك أيضًا أن الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه احتجا بهذا الحديث ، وصرح إسحاق بن راهويه بصحته ، فقد قال إسحاق بن منصور المروزي في مسائله عنهما :
(قلت –يعني لأحمد- هل يقرأ الرجل على غير وضوء ؟ قال : نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف ما لم يتوضأ ، قال إسحاق – يعني ابن راهويه - كما قال ، لما صح من قول النبي عليه الصــلاة والســــلام : (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك فعل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام والتابعون ) (مسائل إسحاق بن منصور ، ص ، 5 ، نقلاً عن إرواء الغليل ، 1/161 .).
وقال الإمام ابن عبد البر : (لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد ، وقد روي مسندًا من وجه صالح ، وهو كتاب مشهور عند أهل السير ، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد ؛ لأنه أشبه المتواتر في مجيئــه لتلــقي الناس له بالقبـول والمعرفــــــة …وما فيه فمتفق عليه إلا قليلاً) ( التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأســــــانيد ، 17/338 ، ونقله عنه في التبيان لابن القيم ، 1/409؛ نيل الأوطار ، 1/259 ، إظهار الحق المبين ، ص ، 20 .) .
وقال الألبانـــــي : (صحيح . روي من حديـــث عمرو بن حزم ، وحكيم ابن حزام، وابن عمر ، وعثمان بن أبي العاص) ثم ساق أسانيد كل واحد منها ثم قال : (وجملة القول : أن الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعف ، ولكنه ضعف يسير ، إذ ليس في شيء منها من اتهــــم بكذب ، وإنما العلة الإرسـال ، أو سوء الحفظ ، ومن المقرر في علم المصطلح أن الطرق يقوي بعضها بعضًا إذا لم يكن فيها متهم ، كما قرره النووي في تقريبه ، ثم السيوطي في شرحه ، وعليه فالنفس تطمئن لصحة هذا الحديث ، لا سيما وقد احتج به إمام السنة أحمد بن حنبل ) (وصححه أيضًا صاحبه الإمام إسحاق بن راهويه) (إرواء الغليل ، 1/158 ، 160-161 .).
ثالثًا : وأما دعوى عدم ثبوت إجماع الصحابة فغير مسلم : لثبوت ذلك الحكم عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم زمن النبوة وبعده ، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف ، فكان ذلك منهم إجماعًا سكوتيًا على تحريم مس المصحف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهو قول سلمان الفارسي ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهما ، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف) (مجموع الفتاوى ، 21/266 .) .
وقال الإمام النووي : (إنه قول علي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي الله عنهم ، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة ) (المجموع شرح المهذب ، 2/80 .) فلا عبرة بالمخالف للصحابة، ولا اعتداد بقوله ، فهم أعلم الأمة ، وأعدلها وأوثقها وقولها أقرب إلى الحق والصواب ممن سواهم .