هل هي صحوة الشعوب العربية ؟!
سوسن نجيب عبد الحليم
إن ما حدث في تونس والهبه التي اشتعلت في الشباب التونسي أثبتت أن الحكام العرب لا يقرأوون التاريخ وإن قرأووه فإن سطوة السلطان والقمع والصولجان أغمض عيونهم واقفل عقولهم عن استنباط الحكم والعبر من تجارب الشعوب ونضالاتها وتضحياتها على مر العصور . فالظلم أعمى الحكام عن رؤية شوق الحرية لدى الشعوب فاستطابوا إذلال شعوبهم واستمتعوا بعذابات وآلام أبناء جلدتهم لا لشيء إلا لأنانية وطمع بأنفسهم واحتقار للآخرين من رعيتهم . .
ولكن.. الشعوب المظلومة تتحمل الظلم والقهر والإستبداد الى حد معين مما تنفجر ولا تستطيع تحمل ظلم أكبر , فتضحي بأرواحها ودمائها وتتصدى بأجسادها لرصاص وهراوات القامعين الظلمه من حكامهم . وكما ثبت في التاريخ على مر العصور فإن المنتصر دائما يكون الشعب ومن يضحي في سبيل نيل حريته واستقلاله لينعم بحياة كريمة حره بعيدة عن الإستبداد والإستغلال والتهميش . كما قال الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي :
إذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر .
لقد استكانت الشعوب العربية وما زالت للظلم والقمع , ورضيت باللقمه المغمسة بكرامتهم وحريتهم حتى باتت الشعوب الأخرى تحتقرهم ولا تقيم لهم وزناً . فهل ما حدث في تونس سيكون قد قدح حجر الزناد ليشعل نار ثورة في نفوس من يهابون العصا وينساقون أمام الطغاة ؟ هل هذه ستكون شرارة تجعل الشعوب النائمة تستفيق من سبات عميق طال دهراً طويلاً . وكل عربي في قرارة نفسه ساخط على وضعه الإقتصادي والأمني والحريات .. ولكن عصا الظالم تخيفه وتردعه وتمنعه أن يفتح شفتيه ليهتف ويعبر عما يجول في صدره وخاطره . فجائت ثورة تونس لتثبت لكل الشعوب العربية المسحوقه أن قليلا من التضحية كفيل بتغيير أحوالهم ونيل حرياتهم .
لقد ايقنوا أيضاً بأن الحكام العرب نتيجة لتلك الإنتفاضات الشعبية سرعان ما تهتز أنظمتهم ويدب الخوف في أركانهم فتراهم يسارعون الى إجراء بعض الإصلاحات وإطلاق بعض الحريات المحدوده , ليس إيمانا منهم بهذا التغيير وإنما لتخدير الشعوب وامتصاص غضبهم ونقمتهم .
فالخوف كل الخوف من أن تمتص الحكومة التونسية الجديده والحكومات العربية الأخرى نقمة الشعوب الثائره وتروضها كما كانت في السابق بإطلاق بعض الشعارات والوعود .
فإن لم يتغير النظام السياسي والإجتماعي في الدول العربية فإن حال الشعوب لن يتغير كثيراً , فعلى الشعب الثائر أن يستمر ويواصل مشواره في تحقيق أهدافه المعلنة بوضوح وأن يكون الشعب هو مالك زمام أمره كما الشعوب الحرة الأخرى . وان لا يسمح للحاكم أن يتربع على كرسي الحكم أكثر من فترة يحددها له الشعب حتى لا يستبد ويطغى , ويعي أن هنالك شعب سوف يحاسبه ويطيح به إن هو خرج عن إرادته . وبدون ذلك فإن الأمور ستهدأ ويعود الوضع الى سابق عهده .
ولا يكفي للشعب أن يكون حراً بالتعبير عن نفسه فقط , صحيح أن حرية التعبير ركن من أركان الديمقراطية الحره , ولكن التنمية الإجتماعية والإقتصادية هي الأساس لحياة الشعوب حياة كريمة حرة وعيش في رغد بعيد عن الحرمان والعوز والفقر . فلا خير في ديمقراطية لا توفر فرص العمل لأبناء شعبها وتوفير لقمة عيش كريمة لكافة أبناء الشعب .
نحن نعيش في عالم يحيط بنا من المستغلين والطامعين والمعادين لديننا ومبادئنا , فعلى شعوبنا العربية كما الشعب التونسي أن تتنبه للتدخلات الأجنبية التي لا ولم تكن يوماً تضمر الخير لنا .. وانما يريدوننا تبعاً لهم نسير في أفلاكهم ونحقق لهم مطامعهم ومصالحهم . فكما نحذر من ظلم حكامنا المستبدين حذرنا يجب أن يكون على قدر المستوى من أهداف أعداء الأمة والدول المتربصه بنا .
وإن ما يزعج الصهيونية مما يحدث في تونس هو خوفها من أن تكسر الشعوب العربية حاجز الخوف والرهبة من حكامها فينقضوا بغضبهم وحميتهم وشهامتهم المعروفة تاريخياً عن العرب ويتصدوا للصهيونية ومخططاتها ويجتثوا الجسم الغريب المسمى إسرائيل الذي زرع في قلب الأمة العربية .
فهل سيظل الزخم يتنامى ويتعاظم لدى الشعوب العربية ؟! نأمل أن يكون كذلك .