* الصبر *
صبر رسول الله صلـى الله عليه وسلم وصابر طيلة عهد إبلاغ رسالته، فلم يجزع
يوما، ولم يتخل عن دعوته وإبلاغ رسالته حتى بلغ بها الآفاق التي شاء الله
تعالى أن تبلغها، وقد ضرب لنا الرسول صلـى الله عليه وسلم في ذلك الأسوة
والمثل، وهذه بعض مواقف من روائع خلق الصبر في حياة الرسول :
1- أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر:
قسم النبي صلـى الله عليه وسلم قسمة كبعضِ ما كان يقسم، فقال رجل من
الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله. قلت [ أي: عبد الله بن مسعود
رضـي الله عنه، وهو راوي الحديث.]: أما أنا لأقولَنَّ للنبي صلـى الله عليه وسلم،
فأتيته وهو في أصحابه فساررته، فشق ذلك على النبي صلـى الله عليه وسلم
وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قَدْ أُوذِيَ مُوسَى
بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ"[ البخاري: كتاب الأدب، باب الصبر على الأذى (5749)،
ومسلم: كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي
إيمانه (1062).]
2- أوعك كما يوعك رجلان منكم:
عن عبدالله بن مسعود رضـي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلـى الله عليه
وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا. قال: "أَجَلْ، إِنِّي
أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ". قلت: ذلك أن لك أجرين. قال: "أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ
وَرَقَهَا".[البخاري: كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول
(5324)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من
مرض أو حزن أو نحو ذلك (2571).]
3- الصبر عند الصدمة الأولى:
عن أنس بن مالك رضـي الله عنه قال: مر النبي صلـى الله عليه وسلم بامرأة تبكي
عند قبر، فقال: "اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي". قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي،
ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلـى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي فلم تجد
عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك. فقال: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى"
[البخاري: كتاب الجنائز، باب زيارة القبور (1223)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب
في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى (1223).]
4- الصبر على أذى قريش:
عن عبد الله بن مسعود رضـي الله عنه قال: بينما رسول الله صلـى الله عليه وسلم
قائم يصلي عند الكعبة وجَمْعُ قريشٍ في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون
إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها
فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم، فلما سجد
رسول الله صلـى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه وثبت النبي ساجدًا، فضحكوا
حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة عليها السلام،
وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي صلـى الله عليه وسلم ساجدًا حتى ألقته
عنه، وأقبلت عليهم تسبهم.
فلما قضى رسول الله صلـى الله عليه وسلم الصلاة، قال: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ،
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ". ثم سمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ
هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،
وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قال عبد الله: فوالله لقد رأيتهم صرعى
يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر، ثم قال رسول الله صلـى الله عليه وسلم:
"وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً"[البخاري: أبواب سترة المصلي، باب المرأة تطرح
عن المصلي شيئًا من الأذى (498)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي
النبي من أذى المشركين والمنافقين (1794).]