حركة حماس والخونة
د. خالد سليمان
3/3/2010
حسب القصة القرآنية الشهيرة، كان ابن النبي نوح عليه السلام أحد الذين خرجوا على تعاليم السماء، فرفض الصعود في سفينة الخلاص ضارباً بنداءات أبيه عرض الحائط، ليبتلعه الماء جزاء غيه وتعنته. وحسب بعض الروايات، كانت زوجة النبي لوط عليه السلام هي التي أفشت لقومه خبر وجود الضيوف في بيته، فاستحقت غضب الله واستحالت الى تمثال ملح صخري عقاباً لها على خيانتها لنبيه وتآمرها مع أعدائه. ويزخر التاريخ في الواقع بمئات الأمثلة حول أبناء وأزواج لم يتورعوا عن خيانة آبائهم أو أزواجهم كي يرتموا في أحضان العدو، ولعلنا نتذكر هنا ألينا ابنة الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، التي يقال، حسب بعض المصادر، أنها انزلقت راغبة إلى مستنقع العمالة لصالح المخابرات الأمريكية ضد نظام حكم والدها.
جئت على ذكر تلك الأمثلة، وأنا أقرأ عن الخبر الذي ملأ وسائل الإعلام العالمية والعربية، الذي يتحدث عن تورط واحد من أبناء الشيخ حسن يوسف، أحد قادة حركة حماس ومؤسسيها، في العمالة لما يسمى بجهاز الأمن الداخلي للكيان الصهيوني؛ حيث سبق لذلك العميل ابان إقامته في غزة، وقبل أن يفر إلى أمريكا للتنصر فيها، أن قدم لذلك الجهاز معلومات مهمة، يقال إنها أسهمت في اعتقال العديد من القيادات الفلسطينية، وبخاصة المنتمية إلى حركة حماس، وإجهاض الكثير من العمليات التي كانت الحركة تعتزم القيام بها ضد كيان العدو.
كما رأينا عبر أمثلة تاريخية، فإن خيانة أحد أفراد الأسرة لا تشكل أمراً يطعن في شرف الأسرة أو نزاهتها في حقيقة الأمر، فالله تعالى لم يعاتب نبيه نوحاً محملاً إياه مسؤولية إصرار ابنه على العصيان، بل بيّن له بأن ذلك الابن لا ينتمي له، بعد أن اختار طريق الضلال لنفسه. من المهم تأكيد هذه المعاني فيمـــا أرى في سيــاق السعي إلـــى تفنيــد الادعــاءات المغرضة الباطلــة التــي تحاول تحميل حــركة حماس أو قياديّها الشيخ حسن يوسف وزر خيانة ابنه وانحرافه عن جادة الصواب؛ إذ يمكن اعتبــار الشيخ مســؤولاً عن جـــرائم ابنــه فقط إذا ما اعتبرنا نبي الله إسحق مسؤولاً عن تآمــر أولاده على أخيهم يوسف والتخطيط للخلاص منه.
المتتبع لوسائل الإعلام، الأمريكية منها تحديداً، وبعض نظيراتها العربية المشبوهة التوجه، يلاحظ تركيزاً مبالغاً به على ترويج قصة خيانة ذلك الابن الضال وعمالته للكيان الصهيوني وخروجه عن دينه، لكن ذلك الترويج لا يأتي ضمن إطار موضوعي يبرز فظاعة ما اقترفه من جرائم بحق دينه ووطنه وأهله، بل يأتي تحت مظلة غطاء زائف وملفق يتوخى كسب التعاطف معه ومع أفعاله، وكأنه لا يمثل إلا ضحية مسكينة لحركة إرهابية مستبدة مفرطة القسوة، تتحرك ضمن بيئة قمعية تكره الحوار والسلام، فلا يجد أصحاب التوجهات السلمية فيها بداً من المخاطرة بحياتهم وتعريض أنفسهم لأقصى درجات الخطر، عبر التعاون مع الأطراف المحبة بالسلام، ولو كان ذلك على حساب التضحية بأقرب المقربين لهم.
تلك طبعاً مجرد أكاذيب لعينة، تصب في تيار خدمة الحملة الخبيثة المتواصلة التي تستهدف تشويه صورة حركات المقاومة الإسلامية والنيل منها، من قبيل حركة حماس، التي لم تكتف الدوائر الغربية بتصنيفها زوراً وبهتاناً ضمن خانة الحركات 'الإرهابية'، في مسعى خائب لصرف الناس عن تأييد مقاومتها للاحتلال، بل كان من الضروري إتباع ذلك التصنيف الجائر بمسلسل مكثف من حلقات تشويه سمعتها وإظهارها كحركة ظلامية منفرة تدفع أولادها أنفسهم لفعل المستحيل من أجل الهروب منها. ولعلنا ما نزال نتذكر كيف انتفضت الأقلام الصحافية المشبوهة والمأجورة والمنافقة، وكيف امتلأت الصحف ووسائل الإعلام المغرضة بكم هائل من المقالات النارية التهجمية قبل أشهر، باسم الدفاع الكاذب عن الحقوق والحريات، عندما أثيرت الأقاويل عن عزم 'حماس' على إجبار طالبات المدارس في غزة على ارتداء الحجاب، تلك الأقاويل التي تبين أنها ليست أكثر من شائعات متهافتة عارية عن الصحة.
لحركة حماس، ككل حركة تعمل في مجال السياسة، أخطاء وعثرات وهفوات وإساءات تقدير، لكن ما يميز الحركة حتى الآن ـ ونرجو أن تظل متشبثة بهذا النهج ـ هو محافظتها على مستوى معتبر من الأخلاقية في السلوك والخطاب، على الأقل، مقارنة بمنافستها التي باتت سيئة الذكر حقاً، التي لا نحتاج إلى التذكير بالمستوى بالغ الإسفاف الذي انحدرت إليه، على كل الأصعدة والمستويات.
ومما لا شك فيه، فإن مما لا يضير سمعة حركة المقاومة الإسلامية خائن هنا أو جاسوس هناك؛ إذ ستظل الحركات السياسية تعرف الخونة والجواسيس ما بقيت الدنيا، لكن ما قد يضير سمعة الحركة وأمنها هو إهمالها في تتبع أولئك الأوغاد وتطهير الحركة منهم أولاً بأول؛ تفادياً لتكرار مأساة اغتيال الشهيد المبحوح لا قدر الله، ورأفة بأعيننا من رؤية سحنات مسوخ وخونة جدد، يستقوون بحماية جهات أجنبية متآمرة، ويتباهون بأنهم استبدلوا بكل حمق وصفاقة الذي هو أدنى بالذي هو خير، فباعوا أرواحهم ودينهم ووطنهم، وبثمن ما أبخسه، للشيطان.
باحث اردني
sulimankhy@gmail.com