لا لرئاسة مدى الحياة!
صلاح سليمان
2011-01-24
هل هو انبلاج صبح جديد تبدو بوادر إشراقاته هي تلك التي تضيء سماء تونس الخضراء؟ هل هي بشارة شمس الحرية لتعود وتسطع في سماء الأمة العربية؟ هل هي بداية يقظة الشعوب العربية من حالة السبات العميق الذي تغط فيه منذ سنوات وسنوات ..حتى حسبناه موتا إكلينيكياً مات فيه عقل الأمة وبقي جسدها الممتد من الخليج الى المحيط حيا بلا فاعلية؟
ما حدث ويحدث في تونس الآن هو ولا شك رعشة المارد العربي العملاق التي تسبق انتفاضته ليزيح غبار ورماد سنين الديكتاتورية التي غطت جسده وكبلته وحطمته، سيستيقظ المارد الجبار ولا شك ويعود بالأمة الى النور من جديد الى حيث كان العرب الأوائل مؤثرين فاعليين في تاريخ الأمم، وليس كما يحدث الآن يعيشون في معزل عن العالم وفي ذل وبؤس وشقاء، في ذيل قوائم الدول .
كفى لهؤلاء الذين جثموا على انفاس الشعوب العربية وامتصوا دماء الناس وسمحوا بالفساد والإفساد وفتحوا الأبواب لعائلاتهم لأن تعيث نهشا وخرابا في جسد الأمة حتى صار مريضاً منهكاً.
أعاد التونسيون الأمل في النفوس، فثورة الشعب المطالب بالحرية أكدت على إمكانية التغير وأن جسد الأمة حي وقادر وقوي، من كان يصدق أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي سيخرج هكذا على الملأ ليقر بمطالب الشعب كاملة، ويقولها صريحة، لا لبث فيها لا لرئاستة مدى الحياة وأنه لن يترشح لانتخابات عام 2014، إنها أرادة الشعب القادرة على إحداث التغيير .
قديما قالها ابن تونس الشاعر العظيم أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.
وانكسر القيد وخرجت تونس عن بكرة ابيها تردد أبيات شاعرها الكبير بحماس ملتهب حتى اقر الرئيس بعد سنوات الحكم الطويلة بالاعتراف بمطالب الشعب .
ما أطيب نسمات الديمقراطية والحرية عندما تهب على بلد عربي، رياح التجديد تشحذ الهمم، وآفاق المستقبل ترتسم من جديد في مخيلة الشباب البائس والمطحون، يجوب الشباب شوارع تونس ايديهم مرفوعة تلوح بعلامات النصر، ينطلقون بحماس متدفق دون خوف أو وجل والنتيجة رايناها: الحاكم المتسلط والمتربع على كرسي الحكم الذي يمتد بامتداد تونس لا يجد مفرا من الرضوخ ومحاولة استمالة الشعب مرة اخرى والموافقة على طلباته، لكن يبدو ان الوقت قد فات وحلكة الظلام تتبدد الآن.
معروف في الثورات الشعبية ان الشعب عندما يثور يجبر الحاكم على التغير أو يجبره هو نفسه على الرحيل وعندما ينام الشعب ويغفل فإن الحاكم يتمادى في حكمه يصدر تشريعاته الفرعونية التي تبقيه حاكما مخلدا طوال حياته وفي ذرية تتوارث الحكم من بعده.
إن ثورة الشعب التونسي من أجل الديمقراطية هي نهاية أحلام هؤلاء الفراعنة الجدد، فهي قد باغتت الأمة النائمة ولكن تداعياتها ستمتد وتستمر في الديكتاتوريات العربية الأخرى، طال نسيم تلك الحرية التي حرمت منها الشعوب العربية طويلا لكنها البداية فهل كان احد يصدق ان يقوم زعيم من هؤلاء الذين ارتضوا ابدية الحكم وان يتنازل طواعية امام شعبه قائلا انه لن يترشح لفترة رئاسة قادمة، من كان يصدق أن يحدث ذلك في أمة أصبحت تعيش خارج نطاق المعقول.
إن عدم الإعتراف بالتغير والإستبداد بالحكم دمر الأمة العربية فالسودان يتفتت تحت نظر زعيمه الذي طمأن مواطنيه في أحد خطاباته الأخيرة قائلا هل تعتقدون أن انفصال الجنوب هذا هو نهاية إنجاز! .. واستطرد قائلاً لا انها ستكون بداية ثورة جديدة! ولم يحدد الرئيس البشير أي ثورة وفي إي اتجاه ستكون تلك الثورة لكنها هي لغة الحكام العرب المعروفة الذين وحدهم يفجرون الثورات المزعومة وينهبون الثروات فالثورة عندهم ليست اكثر من كلمة تقال في خطاب وخلاص.