أطلقوا يد المقاومة قبل هدم الأقصى
عبد الرحمن أبو العطا
منذ سنوات عديدة والأعمال التخريبية الإسرائيلية تستهدف المسجد الأقصى المبارك بالسوء وتحاول هدمه بطريقة الجرذان التي تحفر تحت الأساسات والدعائم التي يقوم عليها البناء ، وهذه الصورة هي الظاهرة للعيان ولكن الحقيقة أعمق.
فإن كانت الجرافات الإسرائيلية تهدم المنازل في محيط المسجد وأعمال الحفر تجري تحته ؛ فإنَّ هدم الشخصية الفلسطينية القادرة على هزيمة هؤلاء الإسرائيليين أو فلنقل الصهاينة يجري بوتيرة أسرع وبطريقة أكثر عمقاً في نفس الإنسان.
فقد استطاعوا أن يغرسوا حالة من الرعب واليأس في نفوس قيادات الشعب الفلسطيني في مختلف الأماكن حتى باتت فكرة المقاومة للردّ على الجرائم الإسرائيلية قضية شائكة معقدة تجلب الدمار والخراب على فاعليها ، و تحوّل التخاذل والبلادة إزاء ما يجري على الأرض من اعتداءات وقهر إلى فطنة ووعي وحسن إدارة للمعركة.
فقد جاء في صحيفة هآرتس العبرية خبراً مفاده بأن المسجد الأقصى سيهدم في 16/3/2010م بناءً على نبوءات يهودية قالت الصحيفة أنها قديمة منذ عشرات السنين وأن الصهاينة اتخذوا من يوم افتتاح كنيس الخراب الواقع في الحي اليهودي من البلدة القديمة في القدس إشعاراً بهدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث (المزعوم).
والأمر على هذه الدرجة العالية من الخطورة والإهانة الكبيرة لمشاعر المسلمين وبالأخص أهل فلسطين الأقرب إلى الأقصى والمكلفون بحمايته لأنهم أصحاب الديار و يتعين على من كانوا خارجها مساعدتهم إن عجزوا عن ذلك ، ولا تزال القيادات السياسية المتخاصمة تصدر البيانات والتصريحات وتوصف الحالة وصفا صحفيا كأنها غير مطالبة بإجراءات عملية مكافئة للإجراءات الصهيونية في إطار السعي لمنع وقوع تلك الكارثة.
ومن المصائب التي حلت بشعبنا ملاحقة المقاومين في الضفة الغربية والتضييق عليهم والزج بهم في السجون وتعذيبهم وقتلهم كما أثبتت مؤسسات حقوقية مستقلة ، ولعل ذلك مرجعه إلى تورط السلطة الفلسطينية في اتفاقات ملزمة تجاه اللجنة الرباعية وتجاه الدول المانحة من الاتحاد الأوروبي وغيره التي تدفع رواتب موظفيها بصفة دورية.
ولا يخفي المسئولون بالسلطة هذا الأمر بل يتفاخرون به ويصنفون أعمالهم الخاطئة بحق المقاومة وقضايا شعبنا في فلسطين وخارجها ضمن المصالح الوطنية العليا بينما على أرض الواقع ننظر فلا نجد مصلحة واحدة متحققة ، منها مثلا العيش في مأمن من الاقتحامات الإسرائيلية والاغتيالات.
ولكن الذي لا يزال بحاجة إلى تفسير هو تعرض المقاومين للملاحقة في قطاع غزة مما شكل لأهالي القطاع صدمة شديدة ، وما كنت لأصدق الشائعات التي تطلقها المواقع الصفراء التي تعول بأصوات الفتنة وتتحزب لصالح الأحزاب المتناحرة في بلادي الحبيبة ، ولكنني استمعت مباشرة من مصادر متعددة تعمل في أجهزة الأمن إلى حوادث وشواهد تؤكد ذلك ، واطلعت على وثائق تؤكد ذلك أظن أنها وصلت إلى صحفيين و وسائل إعلامية.
عجيب جدا .. كيف نقلع أعيننا بأيدينا فغزة انتصرت على "إسرائيل" في حربها الأخيرة والمنتصر دائما يفرض شروطه ويغير قواعد المعركة ، والمهزوم هو الذي يبحث عن أقل الخسائر ؛ فكيف إذن يمكن تفسير التعميم الصادر عن قائد الشرطة في قطاع غزة أبو عبيدة الجراح (إن صح) بملاحقة مطلقي الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية التي تحاصر القطاع ، والتحقيق معهم لدى المباحث العامة وعدم إطلاق سراحهم قبل أن يحولوا إلى جهاز الأمن الداخلي باعتبارها مخالفات شديدة بحسب ما جاء في التعميم.
وكنت قد طلبت رسميا من مسئول في الحكومة الفلسطينية بغزة بإفادتي بشأن صحة ذلك التعميم على خطورته ولكن مضت الأيام دون إجابة مما يزيد مستوى الشكوك.
وبغض النظر عن صحة التعميم من عدمها فإن حالة الصمت المهينة التي يحياها القطاع وتقييد أيدي المقاومين ورفع الغطاء التنظيمي عمن يتم ضبطه على مقربة من الحدود يحاول زرع عبوات أو إطلاق صواريخ باتجاه تجمعات الاحتلال ومستوطناته لا تليق بغزة الصامدة في وجه الحصار ، ولا تليق بأهلها الذين حطموا كل مؤامرات الأعداء بينما تستباح حرمة مساجد المسلمين وتحول إلى تراث يهودي وتهدم أحياؤنا في مدينة القدس ويستعد اليهود لإقامة كنيس لهم إيذاناً بهدم المسجد الأقصى.
وما أكبر مصيبتنا إن كنا ننتظر أن يهدم المسجد الأقصى صبيحة 16/3/2010م فإذا ما هُدم انتفضنا وعبرنا عن غضبنا وصرخنا بأعلى أصواتنا ؛ فإنما نحرض بذلك عدونا على انتهاك حرماتنا وسفك دمائنا واقتلاعنا من أرضنا وإبادتنا لأننا لا نجيد سوى التعبير عن الألم بينما يزرع اليهود في نفوس جمهورهم الأمل في السيطرة على مقدساتنا وبناء رموزهم الدينية مكان رموزنا.
وأما إذا لم يُهدم في ذلك اليوم فيكفينا عاراً أن المسجد لا يزال يتحكم الاحتلال في فتحه وغلقه ويمنع من شاء من دخوله ويسمح لمن شاء ، ويعلن بكل سخرية من ضعفنا أنه ينوي هدم الأقصى وبناء الهيكل وتعمل طواقمه التخريبية ليل نهار لهذا الهدف.
فيا ليت عظامي سورا يحيط المسجد الأقصى بالأمان من الهدم و يا ليت دمائي بحرا عالي الأمواج يغرق اليهود وجنودهم ، فإن زمن الكلام قد ولّى واليوم لا مكان إلا لمن يعمل.