بقلم: د. عطا الله أبو السبح
حتماً... ستزول (إسرائيل)
كان الكلام أشبه ما يكون بالأحلام عن زوال (إسرائيل) وكان هذا التعبير قد بدأه – فيما أعلم – أسعد بيوض التميمي الذي نشر كتاباً منذ أكثر من ثلاثين عاما باسم ( زوال "إسرائيل" حتمية قرآنية ) ، ويوم أن قرأت الكتاب ، قلت : إن هي إلا أماني ، ولكنها لم ترتق إلى تفاؤل، مع إيماني بأدلته واستنباطاته، فحال الشعب الفلسطيني – أيامئذ- لا تسر صديقا ولا تكيد عدوا، فهو محاصر في مخيمات اللجوء ويخوض حرباً أهلية ضروساً في لبنان...
وأما في الأرض المحتلة فـ(إسرائيل) تحكم قبضتها على عنقه، وليس هناك من مقاومة ، وأما العلاقات بين اتجاهاته السياسية والأيدلوجية، فتسودها المناكفات والاحتراب بالعصا والسكين، وجاءت زيارة السادات لتكسر التضامن العربي رغم تشكيل بعض الدول العربية محوراً باسم (دول الطوق ) الذي ولد في غرفة الإنعاش ولم يغادرها حتى انفرط عقده... وإذا بالانتفاضة التي أحدثت زلزالا في الوعي العربي ، وأعادت الاعتبار للفلسطيني الذي طالما قوبل في موانئ العرب ومطاراتهم بالازدراء والتهميش والنبذ...
إلى أن التف حبل مدريد على عنقها ولكنها لم تختنق، وظل لهيبها يشوي أقدام الاحتلال حتى كانت أوسلو ( اللعنة ) التي أدخلت م. ت. ف إلى دائرة الطوق الإسرائيلي ، مما كاد يخنق الإرادة الفلسطينية، حتى طور الشعب الفلسطيني من أدائه، فكانت العمليات الجهادية ثم الاستشهادية التي فرضت حقائق جديدة على الساحة، تبشر بميلاد فلسطيني جديد، أخذت قوى الاحتلال والغرب تحسب له مليون حساب، خاصة وأن هذا الفلسطيني صار نموذجاً وقدوة لكل فصائل العمل حتى لبعض عناصر فتح، التي ذهبت إلى مدريد ثم إلى أوسلو، حتى قيل: إن عرفات كان يدعمها بعد أن أيقن أن النفق الذي دخله ليس له منفذ وليس في نهايته شعاع من نور (كما كان يردد)، ولم تقف (إسرائيل) حيال هذا الفلسطيني مكتوفة بل أخذت تفجر أجساد قياداته أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، صلاح شحادة، ثابت ثابت، أبو علي مصطفى، محمود الخواجا، هاني عابد، ويحيى عياش...
كما أفرطت في ظلمها ونازيتها، فاستهدفت الأطفال؛ مما عمق ذلك النموذج والقدوة في قلب الفلسطيني ، وقلوب الشباب العربي عامة ، و صارت صورة إيمان حجو ومحمد الدرة رموزا في الوجدان العربي ، وهو ما عجل من تبلور ( زوال إسرائيل ) كحقيقة وليست كأمنية ، وخاصة بعد تنامي الإيمان لدى الفلسطيني بأن (إسرائيل) لا تسعى إلى السلام ، وأن أوسلو كانت قفزة إلى قعر الجحيم، وأن القضية ( ملهاش إلا الله ) أي التوجه إلى الإسلام ( كحركة وفكرة وانقلاب ) حسب الراحل فتحي يكن...
ولقد حملت غزة هذا اللواء، الأمر الذي اضطر (إسرائيل) لأن تشن عليها حرباً مهلكة ، إلا أنها فشلت وانتصرت غزة، لتصبح نموذجا وقدوة في المحيط العربي غير الرسمي؛ مما اضطر النظام العربي- إلا القليل - إلى أن يناصبها الحصار ومشاركة رابين آماله بأن يفيق ذات صباح فيرى غزة وقد ابتلعها البحر ، وليصل النظام العربي إلى مبتغاه ازداد قهره لشعوبه، وقد استشرى الفساد والمفسدون الذين وصلوا إلى مواقع صناعة القرار؛ مما يدعو إلى ( اليأس ) وإذا بجسد محمد بوعزيزي يشتعل بنيران أحرقته...
فشبت النيران في كل أرجاء تونس لتزيح بن علي ونظامه القمعي والاستبدادي الذي لم يخطر على بال إنسان حتى ولو في الخيال أن سيزول، وبه تبين أن (عربياً) جديداً كان موجودا في الأزقة والغرف الضيقة وفي تلافيف الفقر، ويملأ قلبه القهر، فانطلق كالإعصار؛ مما أعاد إلى الأمل في زوال (إسرائيل) بريقه ولكن من بعيد، حتى كان 25 يناير وانطلاقة الشعب المصري التي فاجأت دوائر الاستخبارات في الكون كله، الأمر الذي زلزل الكيان الإسرائيلي، وجدلت حبلاً يوشك أن يلتف على عنقه...
فيتسابق النظام العربي لاسترضاء هذا ( العربي الجديد ) في كل أماكن تواجده، وسؤال يتردد: على من الدور؟ والجواب هو الجواب: هناك عربي جديد قد نفض عنه ثوب الذل والاستكانة وكسر عنه قيوده، وعاد إلى حقيقة وجوده، ومن بينها إن (إسرائيل) كيان يجب أن يزول ، يجب أن تزول، لأعود إلى قراءة كتاب أسعد بيوض التميمي من جديد ( زوال "إسرائيل" حتمية قرآنية).