اصبح الحديث عن القرارات الاسرائيلية ببناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنات الاراضي الفلسطينية المحتلة مملا لتكراره بين الفينة والاخرى، وكذلك الاحتجاج باقوى الكلمات على رد الفعل اللامبالي تجاهها سواء من قبل السلطة الفلسطينية او الدول العربية، ولذلك لا نعتقد ان اعلان الحكومة الاسرائيلية اقامة 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو شمال القدس المحتلة يوم امس سيكون استثناء، فاذا كانت الاقتحامات المتكررة لباحة المسجد الاقصى من قبل المتطرفين اليهود الذين يريدون اقامة كنيس يهودي فيها، وضم الحرم الابراهيمي ومسجد الصحابي بلال بن رباح الى قائمة الموروثات اليهودية، كلها لم تحرك ساكنا في اكثر من خمسين دولة اسلامية، فان علينا ان نتوقع استمرار هذه اللامبالاة، ليس فقط هذه المرة وانما في مرات قادمة ايضا، فالعالمان العربي والاسلامي باتا جثة هامدة لا حراك فيها على الاطلاق.
اللافت ان السلطة الفلسطينية في رام الله توفر الذرائع اللازمة لمثل هذه اللامبالاة لكي تستمر وتتجذر اكثر، من خلال استمرارها في الذهاب الى المفاوضات غير المباشرة مع الحكومة الاسرائيلية، وهي التي انسحبت منها احتجاجا على استمرار الاستيطان، وشددت على عدم العودة الا بعد تجميده كاملا في الضفة والقدس المحتلتين معا.
لا نعرف ما هي الحكمة في العودة الى المفاوضات في ظل تصاعد الاستفزازات الاستيطانية الاسرائيلية هذه، وصمت الادارة الامريكية عليها، بل وتبنيها، فقد كان المبرر في السابق يتمحور حول احتمال تقليص الاستيطان ان لم يتأت منعه في حال العودة الى المفاوضات استجابة لطلبات الراعي الامريكي لها، ولكن ما يحدث حاليا ان الحكومة الاسرائيلية تتعمد تسريع وتيرته، اي الاستيطان، فور بدء المفاوضات، وفي تزامن مع وصول المسؤولين الامريكيين الى المنطقة.
فيوم وصول السناتور جورج ميتشل مبعوث السلام الامريكي لوضع ترتيبات استئناف المفاوضات غير المباشرة، اعلنت الحكومة الاسرائيلية عن بناء 120 وحدة سكنية شمال مدينة بيت لحم، ويوم وصول جوزيف بايدن الى تل ابيب قررت استقباله باعلان آخر عن بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو شمال القدس.
المستر بايدن لم يوجه كلمة انتقاد واحدة الى هذه الاعلانات الاستيطانية الاستفزازية هذه، بل حرص على التأكيد مجددا على التزام الولايات المتحدة الكامل بامن اسرائيل، والتفاخر بانه صهيوني اصيل، بل ربما اكثر صهيونية من جميع المسؤولين الاسرائيليين الآخرين.
نتنياهو يعرف ما يريد، ويواصل تطبيق مشاريعه على الارض بثبات وثقة، وهو مطمئن الى الدعم الامريكي واللامبالاة العربية والاسلامية، ولكن السلطة الفلسطينية هي التي تعيش حالة من التآكل السريع لوجودها واحترام الفلسطينيين قبل العرب لها، لانها اصبحت سلطة اقرب الى الصحوات العراقية منها الى الصورة التي كانت عليها عندما عادت الى الاراضي المحتلة على عربة اتفاقات اوسلو.
الاسرائيليون سيستمرون في الاستيطان وعمليات التهويد للمقدسات، والسلطة ستستمر في التفاوض ايضا، وسنظل ندور في هذه الدائرة المفرغة حتى نفيق يوما وقد استولى الاسرائيليون على كل شيء، الارض والمقدسات بعد طرد اهلها منها.
شعب لا يقاوم محتليه، وتقبل قيادته كل هذا الهوان، ويستسلم لراتب شيخ'قبيلة صحوته في آخر الشهر لن يصل الا الى هذه النتيجة المأساوية.