التراكم النوعي المقاوم كفيل بتحرير الأرض
الشيخ هاشم منقارة
3/12/2010
المقاومة الناضجة تدفع بالعدو نحو الخيارات المرتجلة التي تعمق أزمته الوجودية إيذاناً بدحره نهائياً ومقدمة للمعركة الفاصلة التي اقترب زمانها وقد بلغت المقاومتين اللبنانية والفلسطينية مرحلة متقدمة في نضالهما الجهادي مع العدو الصهيوني وازدادت معه صعوبة التشكيك في المنطقة بالمنطق المقاوم وأصبح لا منطق التنازلات تحت مسمى التسويات مسار سخرية الشعوب العربية والإسلامية إن صمودي تموز وغزة التاريخيين اجبرا العدو على سلوك خيارات أكثر صعوبة بالنسبة إليه ليس بتقنياته التنفيذية إنما بالثمن الذي سيدفعه بالمقابل على مختلف الصعد حيث تتصف أعمال المقاومة بالمرونة والابتكار وتبتعد عن الأنماط الجامدة التي يمكن أن يحدها ظرف أو زمان أو مكان فتفعيل العدو لقضية الاغتيالات كما في استشهاد مغنية والعالم النووي الإيراني والمبحوح كان قرار اتخذه 'نتنياهو' بأوامر لذراعه الأمني مائير داغان مدفوعاً بعجز طالما حققه تقليدياً على العرب وفقده في تموز وغزه مما سيفتح عليه أبواب الجحيم التي أوقدها وما الهلع الصهيوني من ردة الفعل المقاومة التي تتخذ صفة الفعل بكامل مضامينه سوى بداية للثمن المكلف وتمهيداً له بالذهاب بأعصاب وثقة الإسرائيليين بأنفسهم التي طالما تبجحوا بها حتى لكأن ثمن التهديد بالانتقام يفوق إثارة الانتقام نفسه دون التقليل من أهمية الرد التقليدي المقاوم الذي يجب أن يصب في مسار الصراع بما يرجح كفة الربح النهائي فالكيان الصهيوني الذي يعيش حالة رعب حقيقية من كيفية ذلك الرد يبدو بعمليات الاغتيال الأخيرة وكأنه يتوسل الخلاص بأن يجلد بالسوط الذي أنهكه التلويح به وقد جاء بعد فشله بمعركتين متتاليتين في زمن قصير أفقدته جملة عناصر أساسية بالإضافة للثمن المادي الذي دفعه في تموز وغزة فالثمن السياسي كان باهظاً بالنسبة إليه بتعرية إسرائيل أمام الرأي العام خاصة الغربي الذي لا نقول بتغيره بين ليلة وضحاها إلا أننا بدأنا بتقريرغولدستون والملاحقات القضائية للسياسيين والعسكريين الصهاينة ولو على استحياء طالما تنفس هذا الكيان بالأوكسجين الغربي.
ومع ذلك يبقى الفعل الأول والأهم للمقاومين فوق الميدان حيث تبنى عليها سائر النقاط كذلك فأن معركتي غزة وتموز أسستا لعهد جديد من المنازلة وكشفتا العجز العربي والتواطؤ الدولي اللذين ينبعان من إرادة خبيثة لا يختلف اثنان على أهدافها الاستعمارية والتي تشكل إسرائيل فيها رأس الحربة إنما قد تتباين القراءات في الأولويات خاصة التي نحن بصددها مما توده أمريكا وإسرائيل من وراء ردهما بالمطالبة برفع حصارهما عن غزة بالهجوم المباشر عليها الدموي والوحشي المقصود عمداً يستتبعه حصار مصري فولاذي وقد اعياهم سحق هذا الفلسطيني المجرد إلا من الأيمان فالأجرام الصهيوني أثناء المعارك بإراقة الدماء البريئة من الأطفال والشيوخ والنساء كان عن سابق إصرار وتصميم لأهداف عديدة:
'أولاً: يعلم الصهاينة فتوة غزة فنصف أهلها أطفال وهم بنظر الاحتلال مشاريع مقاومة ومقاومين فلا مانع من إبادتهم استباقياً تأسياً فرعونياً.
ثانياً: يجهد العدو لجبر كسره الردعي النفسي الذي أريق في تموز وغزة والجبر الثاني الذي يفسر جزئياً الإصرار الأمريكي آنذاك والذي بدت معه أمريكا نفسها كدولة مارقة بتمديدها العلني وتأييدها للسادية الصهيونية انتقاماً للعنجهية الأمريكية المهدورة بحذاء الزيدي والتي أسدل بها بوش حياته السياسية على وقعها كما بدأها بأحداث 11 أيلول/سبتمبر قبل 9 سنوات وقد طالت تأثيراتها بعمق مكامن الغطرسة التي تعتمدها أمريكا لتأديب العرب والمسلمين وهي ضرورة إشهار العصا الغليظة ليبقوا رهن الإشارة فإرادة بوش كانت بتحويل الحدث المستشري في العالم الذي رافق نهايته إلى آخر يطغى عليه ولو إعلامياً وتنقسم تأثيراته في إعادة الاعتبار للكسرين إلى نطاقين الأول تكتيكي فوق ارض المعركة لكنه يقوم بوظائف إستراتيجية ويتمثل بالحسم السريع والخاطف للمعركة (انظر بداية المعركتين عندما استهدف الطيران الإسرائيلي حفل تخريج قوات الشرطة الفلسطينية...وبنك الأهداف اللبناني الأولي والذي أرادت إسرائيل من خلاله استهداف قادة حزب الله بقصف متواز لكل مقراته وأماكن تواجده دون استثناء الأمني والعسكري والإعلامي والاجتماعي بل والمدني البحت لمجرد الاشتباه وقد تجاوزت كل الاعتبارات التي تحكم أدبيات الحروب المماثلة.
والردع الثاني استراتيجي بحت بأنه بذاته يشكل قوة ردع تمنع الآخرين من مجرد التفكير بالمواجهة الدفاعية فضلاً عن الهجومية وتضعهم فقط أمام الرضوخ للإملاءات وهو ما يعبر عنه بتضاد خياري المقاومة والاستسلام إلا أن الوقائع الميدانية تفرض روزنامة مختلفة بين أنصار حقيقة المقاومة بأنها مدماك صلب يؤسس لزمن العزة والنصر القادم وأدب الهزيمة في أنها تؤسس ليأس جديد في المنطقة فخلاصة فينوغراد بعد 33 يوماً في تموز لم تختلف عن خلاصة غزة بعد 22 يوماً فالغزاويون تجاوزوا الصدمة الأولى كما فعل أسلافهم في حزب الله والذي عجزت عنه القوى العربية التقليدية تاريخياً والذي مكن الصهاينة من استثماره عبر منطق التسويات فاستيعاب الضربة الأولى والاستمرار لاحقاً بكفاءة عالية يعني قدرة مضاعفة لدى المقاومين وفشل استخباري ذريع للصهاينة يقابله انتصار لأمن المقاومة فالاستيعاب افشل الهدف الأول والصمود افشل الهدف الثاني ألا أن المعركتين في سياق الحرب القائمة أسستا لأبعاد إستراتيجية أهم ستتخطى ما شاهدناه حتى الآن سيؤدي لاحقاً لتغيير معادلة ما يسمى النظام العربي المعتدل إن لم يكن بصورة شاملة فأقله جزئياً يؤسس لمرحلة الانهيار وفق قاعدة الدومينو وكسب معركتين متتاليتين بظرف قياسي على زمن الاشتباك العربي الإسرائيلي بأدوات وموارد لا تقارن باستثناء النوعي البشري منه سيؤدي إلى مزيد من تآكل نظرية الجندي الذي لا يقهر التي لها أهميتها في سجال القوى والقوة الدائر حول القدس وسيثير الكثير من الشك في قدرة إسرائيل على القيام بدورها الاستعماري كما انه سيسلب (المعتدلين) الكثير من الثقة برهاناتهم حول منطق القوة بالضعف والذي عرفه لبنان أولاً زمن المارونية السياسية حيث يحاول البعض إحياءه الآن لأهداف مشبوهة بتحويل المسلمات إلى نقاش عقيم حول المقاومة ومشروعيتها وجدواها بغير منطق أو بديل حقيقي.
فالمشروع المقاوم سيعمق أزمة الثقة بين المعتدلين والأمريكيين والإسرائيليين فالأمريكيون يعجزون عن إنقاذ أنفسهم كما في العراق وأفغانستان وغيرهما والجبهات الحليفة معهم يسودها العنف الطاغي مثل باكستان واليمن من خلال قيام الحلفاء بحروب الإنابة عن أمريكا بفُتات دعم للواقع السلطوي دون التنموي الحقيقي منه ذلك الواقع المعقد بالنسبة للاحتلال نتيجة المقاومة أضف إليه الانهيارات المالية والاقتصادية والأخلاقية سيكون رافداً مهماً للمنازلة التاريخية النهائية بين المشروعين وفي هذا السياق لا بد من المقارنة بين المواقف الخلفية الداعمة للموقفين السوري الذي فتح إمكاناته وحدوده على المقاومين وشكل عمقهم الاستراتيجي وكذلك الإيراني وبين الموقف المصري عبر رفح والطروحات السياسية المشبوهة للنيل من المقاومين كذلك يأتي في نفس السياق موقف القطب الآخر السعودية ...
إن تلك الإرهاصات ستؤثر حتماً من خلال الواقع الشعبي الضاغط على الخارطة السياسية المعتدلة وقد تعرت حتى من ورقة التوت أما دور المقاومة اللبنانية في دعم شقيقتها الغزاوية والذي نشعر به بقوة على الصعيد العسكري والأمني ونقل التجارب المتبادلة في مقاربة الأداء والملفات مع العدو والتي تم استخلاصها بزمن قياسي والفضل في ذلك يعود للمقاومتين فيما بلغتاه من تنسيق بلغ حد التوحد في الفعل المقاوم الذي ندرك نتائجه ونجهل كيفيته وهذا المطلوب كأحد أسرار فاعليته وعندما نفصل بين الفعلين المقاوم والنظامي فوق الميدان وندرك حاجات ومتطلبات كل منهما نستطيع فهم المعادلة الجديدة والدور القيادي للسيد حسن نصر الله في كلا المعركتين وما سبقهما وما تلا ذلك عبر إطلالاته التلفزيونية زمن المعركة والتي نفهم جيداً بين ثناياها فيما انطوت عليه من قيادة مباشرة وغير مباشرة دون الانتقاص من القيادة الفلسطينية والتي كانت في إطار التكافؤ والتكامل وهذا ما دفع بالإسرائيليين لوصفه بالاستراتيجي الأول أن معسكر التسوية إلى مزيد من التردي بسبب تدهور عامل الثقة الذاتي.
'
أولاً: وبالمشروع الاستعماري وأدواته.
ثانياً: وهذا سيدفع في الفترة القادمة إلى مزيد من المناورات الخبيثة كالتي شاهدناها عقب النصرين المؤزرين اللذين أراد البعض تسخيفهما مما دفع بالمسؤول الجزائري عن الخارجية آنذاك للتهكم والقول خسر العرب كل حروبهم مع إسرائيل وادعوا النصر فيها وفي الحرب الوحيدة التي ربحوها ادعوا خسارتها وفي اللحظة المناسبة ستؤدي تراكمات المقاومين لتلبية دعوة راحلنا الكبير الداعية فتحي يكن إلى فتح كل الجبهات التي تطال العدو الصهيوني وسيكون للعمق العربي والإسلامي حينها دوره المنتظر بعد استخلاص عبر هزائم المشروع الاستعماري لا سيما في غزة وتموز والذي سيتخطى نقاشه الخطة الدفاعية عن لبنان إلى رؤية تحرير فلسطين كل فلسطين بتحقيق أهداف كل الشهداء والقادة الذين ارتفعوا على هذا الدرب وإسرائيل الآن بين مفاعيل نصرين لا تحتملهما يجبرانها على المزيد من التهور مما سيدفع حلفائها التفكير بكلفتها الباهظة تلك هي المدرسة الأمريكية الثابتة التخلص من الحلفاء قبل الأعداء فهل يتعظ المعتدلون العرب قبل فوات الأوان.''
رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي عضو قيادة جبهة العمل الإسلامي في لبنان
'