امريكا واهانة نتنياهو!
محمد صادق الحسيني
يخطئ اعلامنا العربي عندما ينقل عن قناعة او بسبب ما بات يوصف بالموضوعية في نقل الاخبار بالقول بان اسرائيل قد وجهت «اهانة» الى الادارة الامريكية عندما اعلنت عن خطتها بانشاء 1600 وحدة استيطانية – استعمارية – في القدس الشرقية اثناء زيارة السناتور جو بايدن نائب الرئيس الامريكي الى فلسطين المحتلة!
ويخطئ اكثر من يصدق هيلاري كلينتون، التي تتصنع استنكار مثل هذه الاهانة، ويخطئ اضعافا مضاعفة من كان يعول او لا يزال على اوباما و»سلامه» الذي اطلقه من القاهرة او قبلها من اسطنبول، بانه قادر على التفكيك بين اسرائيل الامريكية واسرائيل الاسرائيلية، فيما يخص منظومة الاحتيال والخداع الذي تختزنه الفكرة الاساسية الاستئصالية التي قامت عليها مقولة «استيطان» كل العالم «الكنعاني» من قبل اله العبرانيين الانكلو ساكسونيين الانكليزي!
اذ يكفي ان نستمع الى ما قاله جو بايدن نفسه عن هذه المسألة حتى نكتشف ان هذا الامر لم يكن مهينا على الاطلاق، ان الامر لا يعدو عن كونه مجرد توزيع ادوار لمخرج واحد فلنستمع الى السناتور ونائب الرئيس الامريكي وهو يخاطب الاسرائيليين في جامعة تل ابيب:
ـ «ان اسرائيل تواجه كل يوم تهديدات ليس بمقدور اي دولة ان تتحملها ولذلك فاننا لن نتراجع عن تأمين حماية اسرائيل في هذه المنطقة المعادية، ونؤكد شرعية اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها»!
ـ «ان امريكا ليس لديها من صديق افضل من اسرائيل في العالم كله»!
ـ والاهم من ذلك «ان العلاقة بين الدولتين لا يمكن ان تتأثر باي تغيير في سياسة الدولتين او الحزبين» الحاكمين – يقصد الجمهوري او الديمقراطي ـ!
ـ والاكثر من ذلك عندما يقول: «ان اسرائيل دخلت قلبي منذ، الصغر، ودخلت عقلي منذ النضج»!
ـ لكن الاكثر خطورة هو ما قاله مختتما قصيدة مدحه بهذه المدللة لدى، الجنتلمان الابيض: « لقد قلت في خطاب قبل سنوات انني لو كنت يهوديا لكنت صهيونيا، وقد واجهت العديد من الانتقادات جراء ذلك الى ان تذكرت ما قاله يوما لي والدي بانك لست في حاجة لان تكون يهوديا كي تكون صهيونيا»!
يا الهي! الا يقرأ العرب والمسلمون بدقة ما يقوله هؤلاء الانكلو ساكسون من جماعة الصهيونية المسيحية التي تتحكم بما بات يسمى بالمجتمع الدولي منذ انشاء هذا الكيان اللقيط حتى هذه اللحظة التاريخية الخطيرة التي نمر بها؟!
انه يقول لنا ما يلي:
اولا: ان اسرائيل هي الموجود الطبيعي، وكل ما حواليها هو منطقة معادية وغريبة، وان من حقها ان تدافع عن نفسها ومن حق الامريكيين تبعا لذلك ان يبذلوا كل ما لديهم للدفاع عنها في وجه من هم معتدون من عرب وفرس واتراك و... لا سيما اولئك الكنعانيين الذين يسمون انفسهم بالفلسطينيين!
وبالمناسبة فان اطفال امريكا البيض لا يزالون يتعلمون بان الهنود الحمر – وهم سكان امريكا الاصليون – هم من اعتدوا على اجدادهم القديسين بسبب توحشهم ورفضهم لقبول الحضارة الغربية، الصهيونية النبيلة التي جاءت لتبني اسرائيل الاولى الموعودة في التوراة في مجاهل القارة الجديدة آنذاك!
يا الهي ما اشبه اليوم بالبارحة!
ثانيا: ان ما تسمعونه ايها العرب والمسلمون عن خلافات امريكية، اسرائيلية هي ليست في الجوهر بتاتا، لان هذا المولود اللقيط، هو من صنعنا نحن، ولن نتخلى عنه الا مكرهين ومرغمين، وتحت وابل من الهزائم المتلاحقة لنا نحن وليس لفرعنا المنتدب لديكم!
ثالثا: لا يحتاج المرء ابدا لان يكون يهوديا حتى يصبح صهيونيا، فضلا عن ان كل يهودي هو صهيوني بالضرورة، وبالتالي فان صهيونيتنا نحن في الغرب متأصلة في ثقافتنا الاساسية ابا عن جد، ولا داعي بالتالي للبحث كثيرا عن سبب تلاحمنا الاستراتيجي مع ما هو جزء لا يتجزأ منا عقيدة وثقافة فضلا عن الامن والسياسة والاقتصاد!
فاين الاهانة في ما عمله نتنياهو، واين الضعف الذي ابداه بايدن ؟!
الآن قد يكون من الجائز لنا ان نترحم على الرئيس المصري الراحل انور السادات عندما قال ذات يوم ان 99 بالمائة من اوراق الحل هي بيد امريكا، لكن مشكلة السادات بل خطيئته التي لا تغتفر ربما هو انه رأى الهرم مقلوبا، فبدل ان يعتبر ان 99 بالمائة من المصيبة هي بيد امريكا لانها هي العدو الحقيقي الذي ينبغي ان يهزم، راح يظن سذاجة بان بالامكان اقناع امريكا باعتباره «وسيطا نزيها»، يمكنه اقناع اسرائيل بالتخلي عن، اطماعها باراض عربية اضافية!
ناسيا او متناسيا بان امريكا نفسها هي صاحبة فكرة «اسرائيل الاولى» التي تم تطبيقها على نحو 112 مليون هندي احمر لم يبق منهم بعد انتهاء نحو ثلاثة قرون من المذابح بحق السكان الاصليين، الا ربع مليون نسمة منهم فقط لا غير!
وبالطريقة نفسها، انطلاقا من قتل الناس من السكان الاصليين وسلخ جلودهم ونزع فروات رؤوسهم، وعقد اتفاقيات الخديعة والاحتيال المتتالية معهم، وصولا الى قتل المواشي وقلع الاشجار وابادة الطبيعة وكل ما عليها مما يشير الى ذائقة او رائحة او طعم السكان الاصليين، تماما كما يحصل كل يوم في نابلس والخليل ورام الله فضلا عن قرى وبلدات ومدن اراضي الـ48ـ التي باتت في عرف المتشائمين بالتسوية المسدودة الافق والزعلانين على «ضعف» الادارة الامريكية و»الاهانات» التي تتلقاها في حكم اراضي الدولة الاسرائيلية كأمر واقع ينبغي علينا التعايش معه!!!
انها المصيبة والكارثة الكبرى التي تعاني منها نخبنا العربية والاسلامية، وهي برأينا نتيجة هزيمة هذه النخب التائهة في حروب كي الوعي التاريخي وضرب الذاكرة الوطنية والقومية والعقيدية، فضلا عن مسخ الهوية الحضارية التي تعرضوا لها!
غير ان الجمهور العريض لهذه الامة العظيمة التي نمثلها، وبالرغم من انف بايدن واسلافه واذا بقي ثمة من سيخلفه بهذه المدرسة من التفكير، فانه لن يطول زمانهم قبل ان نستعيد فلسطين كل فلسطين عربية حرة مستقلة ويعود لها كل اهلها رغم انف عالم المنتصرين في الحرب العالمية الثانية والذين يحاولون عبثا تزوير التاريخ والجغرافيا وهوية هذه المنطقة التي ما كان يوما اسمها «الشرق الاوسط» لا الكبير ولا الجديد ولن يكون!
بل هي، وطن عربي، كبير وعالم اسلامي اكبر، متعدد الاقوام والملل والنحل نعم، لكنه متوحد ومتحد في الحضارة والهوية الكبرى ولن يسمح بعد اليوم لمجموعات من شذاذ الآفاق الذين تدافعوا من جهات الكرة الارضية الاربع، لاغتصاب ارض الغير وحقوقهم، لا ان يثبتوا ما هو طارئ وغير مشروع ولا قانوني اسمه «اسرائيل» فضلا عن التعدي على مزيد من الحقوق والاراضي، لان ثمة حراسا للقلعة قد عقدوا العزم هذه المرة واعاروا جماجمهم لله، ومن لا يصدق ما عليه الا انتظار المفاجآت، بل والمعجزات رغما عن انف بني صهيون!
فاليد المقاومة اليوم مشدودة على الزناد في كل مكان، ولن ينفعهم لا ارعاب ايران، ولا تهديد سورية، ولا كل اشكال الوعيد لكل من حزب الله والفصائل الفلسطينية كما لن تخيف احدا تصريحات بايدن الملغمة والمفخخة والتي يدعي فيها «بان العالم العربي يشاطره الرأي في القلق من ايران وفي ضرورة تشديد العقوبات عليها « ذلك ان «خلايا» امة حزب الله، باتت منتشرة اليوم في كل اصقاع العالم الاسلامي من جبال الاطلس غربا الى سور الصين العظيم شرقا ستكون لقوات حلف الاطلسي وخاصة الامريكية منها بالمرصاد على قاعدة، «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» وهي نفس قاعدة حلف الاطلسي في بنده السابع لمن لم يطلع عليها بعد او يخاف الجهر بحقيقة دينه، مع فارق ان البادىء اظلم!
٭ كاتب من ايران