"مركز الكرامة الإنسانية-متحف التسامح في القدس" هو إسم المشروع الذي أقامه "مركز سيمون ويزنتال" في القدس فوق "مقبرة مأمن الله"، مسنودا بحكم من المحكمة الإسرائيلية العليا في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2008.
ومقبرة "مأمن الله " أو "مقبرة ماميلا" هي أقدم مقابر القدس كما ورد في كتاب "المفصل في تاريخ القدس" لعارف العارف، الذي يقول إن تاريخها ساير تاريخ المدينة، ففي هذا المكان عسكر "سنحاريب" ملك الأشوريين عندما هبط القدس (عام 710 ق.م)، وفيه ألقى الفرس بجثث سكان المدينة عندما احتلوها (614 م) وفيه دفن عدد كبير من الصحابة أثناء الفتح الإسلامي (636م)، كذلك عسكر صلاح الدين حين جاء ليسترد القدس من الصليبيين (1187 م)، حسب نفس المصدر.
حين أعلن مركز ويزنتال عن البد في بناء المعهد المذكور فوق المقبرة بدأ ستون فلسطينيا من أحفاد فلسسطينيين تحتضن المقبرة رفاتهم حملة قانونية في الولايات المتحدة لمحاولة إعاقة المشروع، دون أن ينجحوا في ذلك.
أحد هؤلاء الأحفاد، البروفيسور رشيد الخالدي، فلسطيني من القدس يحمل الجنسية الأمريكية ويحاضر في جامعة كولومبيا التي يرأس معهد الشرق الأوسط فيها، كان المحاضر لهذه السنة في المتحف البريطاني في لندن في سلسلة محاضرات تحمل إسم الأكاديمي الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
وترتبط بسلسلة المحاضرة أسماء أكاديمية ومهنية لامعة مثل نوم تشومسكي الذي سيلقي المحاضرة 2013 ، والموسيقار الإسرائيلي دانييل بارينبويم الذي سيحاضر في المتحف البريطاني بنفس الصفة عام 2015.
المتحف البريطاني والأسئلة الصعبة
في تقديمه للبروفيسور الخالدي قال نيل ماك غريغور مدير المتحف إنه منذ تأسيسه دأب المتحف على إعطاء الفرصة لطرح الأسئلة الصعبة، في الدين والسياسة والتاريخ.
أما الأسئلة التي طرحها الخالدي في محاضرته، وتلك التي طرحها بعض المستمعين في نهاية المحاضرة، فقد كانت صعوبتها منسجمة مع رسالة المتحف البريطاني كما وصفها مديره.
يقول الخالدي إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1947 ينص على أن تبقى القدس (بشقيها الشرقي والغربي) موحدة وأن لا يجري أي طرف أي تغييرات في معالمها.
أما ما حصل في مقبرة "مأمن الله" التي اصبحت ضمن حدود القدس الغربية بعد إنشاء دولة إسرائيل، فلا يعكس التزاما بهذا القرار كما يقول البروفيسور الخالدي، فقد استخدم سطح المقبرة لإقامة مشاريع، منها مصف للسيارات في جزئها الغربي، ومن ثم "منتزه الاستقلال".
ولكن ما ميز المنشآت التي اقيمت فوق المقبرة في البداية هو أن باطن المقبرة لم يتعرض للحفريات، وبالتالي لم تتعرض عظام الموتى المدفونة رفاتهم فيها للبعثرة.
ثم جاء "متحف التسامح"
من أوائل الأسئلة الصعبة التي طرحها البروفيسور الخالدي في محاضرته "كيف يسمى مشروع "متحف التسامح" إذا كان القائمون على بنائه قد عمدوا إلى حفر المقبرة إلى عمق أربع طبقات ونقل عظام الموتى من ديانات أخرى منها إلى أماكن مجهولة؟
أما مؤسس المركز الحاخام مارفن فيقول إن متحف "الكرامة الإنسانية في القدس سيركز على قضايا الكرامة والمسؤولية الإنسانية، وسيشجع الوحدة والاحترام بين اليهود وبين أتباع الأديان الأخرى".
ولم يبد البروفيسور الخالدي مقتنعا بهذه العبارة، لأنه يرى أن أعمال الحفريات وبعثرة رفات "أتباع الأديان الأخرى" لا يعكس روح التسامح والاحترام بين اليهود وأتباع الأديان الأخرى".
ولم تقتصر إثارة أسئلة كهذه على أكاديميين فلسطينيين كالبروفيسور الخالدي، بل على الجانب الإسرائيلي أيضا، فجدعون سليماني، خبير مصلحة الآثار الإسرائيلية الذي أشرف على الحفريات، كان متحمسا في البداية لأنه اعتقد أن تلك الحفريات ستمكنه من الأطلاع على تاريخ مسلمي المدينة، حسب ماورد في تقرير كتبته صحيفة هآرتس في 18 مايو/أيار عام 2010، التي قالت انه أصيب بخيبة أمل من الضغوط التي مارستها عليها الجهة التي أقامت المركز حاثة إياه على تجاهل الاعتبارات المهنية.
ولكن في النهاية أقيم المركز فوق المقبرة، وبعثرت عظام الموتى، كما يقول الخالدي الذي لا يرى في هذا مبررا للتفاعس عن الاحتجاج على الممارسات التي تنتهك القانون الدولي، فهو يرى ان القوة التي تستند إليها إسرائيل في الولايات المتحدة لدعم ممارساتها بدأت تضعف بفضل جيل جديد من الشبان الذي بدأ بهدم المسلمات السياسية التي نشأ عليها آباؤهم مستندا الى حرية في التوصل الى المعلومات عن ما يجري في العالم من خلال الانترنت.