تهويد الدنيا
عزت القمحاوي
لولا بالقلنسوة
زائر الكيان الصهيوني يضع على رأسه القلنسوة السوداء، ويكون عليه أن يزور قبر تيودور هيرتزل وضحايا المحرقة، وبعد ذلك لكل حادث حديث. الصورة من فرط تكرارها صارت بديهية، لكنها في هذه الظروف غير العادية تثير التفكير.
إجرام غير عادي يمارسه الصهاينة، وضيف غير عادي، أي ممن يحسبون مع الحق الفلسطيني لا ضده. ومع ذلك التقطت الكاميرات الصورة المألوفة! القلنسوة على رأس لولا دا سيلفا رئيس البرازيل، في نصب المحرقة، أمامه الورد وخلفه النار الرمزية مشتعلة، على الرغم من المغالطة، فالمحارق لم تكن هنا، كانت في أوروبا، وهناك في ألمانيا وبولندا يجب أن تُشعل
النيران. مع ذلك يمكننا اعتبار لقطة لولا صورة عادية، والحادث يقع للزوار من أحسن العائلات وأقوى البلاد، بل إن من يتطلعون إلى تقليل التطابق مع الكيان الإسرائيلي يبالغون في إحكام القلنسوة على رؤوسهم أكثر من المناصرين لها بالحق والباطل. هكذا اعتدنا أن نرى القلنسوة أكثر إحكاما على رأس المرشح والرئيس الديمقراطي الأمريكي أكثر من الجمهوري. لم يشذ أوباما، داعية السلام عديم النفع، عن هذه القاعدة، ولم يشذ عنها الرئيس البرازيلي المدافع عن برنامج إيران النووي، لكنه بنزق الطفولة اليسارية المحبب رفع قبر هيرتزل من برنامج زيارته. وبفضل هذا الكسر البسيط في النظام أمكن الانتباه إلى غرابة ما يمارسه الإسرائيليون من تهويد لضيوفهم، بعد أن كان من البديهيات التي لا تناقش. ليبرمان الذي من المفترض أنه وزير خارجية دولة، قاطع الضيف، ولم يقل له رئيسه هذا عيب أو لا يجوز في أعراف العلاقات الدولية، لكنها العصابة إذ تمثل شكل الدولة، وتخالف كل ما يمت لروح الدولة بصلة، حتى في المراسم والبروتوكولات.
من كان منكم بلا ضحايا
يستسلم زوار الكيان الصهيوني لبرنامج إجباري لزيارة ضحايا اليهود ومؤسسي كيانهم، مع أن الضيوف يمثلون دولاً لديها ضحاياها وأبطالها، ولديها النصب التذكارية، لكنهم عندما يكونون أهل المنزل لا يطلبون من زوارهم إراقة الدموع، كما يطلب اليهود.
'من الممكن أن يزور الضيف تلك الأنصاب، في حالات الصداقة الحميمة وبنوع من الاختيار الذي ينطوي على رسالة يريد الضيف أن يوجهها، لكن أن يكون الضيف مجبرا، وأن يفعل ذلك في لباس يهودي، فهو الشيء المحير الذي يساوي أن تجبر السعودية مثلاً كل زوارها على ارتداء ملابس الإحرام. الرئيس لولا زار قبر الشهيد عرفات وارتدى الكوفية أيضا، لكنه لم يصمد في وجه الابتزاز الإسرائيلي، واضطر وزير خارجيته إلى توضيح أن 'استثناء قبر هيرتزل من الزيارة لم يكن بنية شريرة' والتوضيح بحد ذاته تنبيه جديد إلى حجم الاستلاب الذي صار عليه العالم في مواجهة حفنة من المستوطنين الخارجين على القوانين والأعراف الدولية، وتأكيد على أن تهويد القدس، وإنشاء إسرائيل نفسها لم يتما إلا بعد تهويد العالم
'
متحف في مواجهة متحف
لماذا لا نقيم متحفا للضحايا الفلسطينيين؟ ليس من العيب تقليد الأعداء. وأتمنى لو تتبنى السيدة حنان عشراوي بالذات قيادة وتنظيم مجهود شعبي لإنشاء متحف يضم صور المجازر وأسماء الضحايا، ويزود بعداد إلكتروني يضيف بشكل فوري أعداد الشهداء الجدد، وبوسع المتحف أن يصدر نشرة يومية بأعداد الضحايا.
أطفال إسبانيا استطاعوا إثارة سفير القتلة، عندما أمطروه بالخطابات التي تحمل سؤالاً واحدا: كم قتلتم من الفلسطينيين اليوم؟ المتحف المقترح سيكون مسوؤلاً عن تقديم الجواب. ويمكنه أن يقدم نشرة يومية بالعدد.
أعتقد أننا بحاجة إلى هذا المتحف، وبحاجة إلى كل الابتكارات التي يمكنها أن تفرض القضية على ضمير الإنسانية، في ظل التهافت العربي الرسمي وصفاقة الخصام بين الفصائل.
بوسعنا الاستفادة من تقنيات اليهود، الذين نشهد لهم بأنهم استطاعوا أن يجعلوا من جريمة هتلر ضدهم قضية إنسانية، وأن يؤسسوا عليها حلاً لا يمت إلى الإنسانية بصلة.
الفلسطينيون، بعكس اليهود، قضيتهم عادلة ولا يغشون في الحل. هم أصحاب أرض يتعرضون لإبادة وحشية ويطلبون الأمان في أرضهم، وليس على حساب شعب آخر كما فعل اليهود بضمير مرتاح.
والإبادة اليهودية تمت في زمن واحد وقادها دكتاتور واحد، في إطار إساءة إلى الإنسانية كلها، لكن اليهود نجحوا في أن ينتزعوا لأنفسهم صورة الضحية الوحيدة والدائمة، أما نحن فلم نحقق نجاحا يذكر، على الرغم من أن جرائم إسرائيل تمارسها حكومات تدعي الديمقراطية، حكومة بعد أخرى، مما يضع الجريمة في إطار جرائم سبق الإصرار والتصميم، وهي أقصى درجات الإجرام.
أعلام يا عرب أعلام
غضب مكبل بالسلاسل يبدو في اختناق أصوات الشباب العربي الذي يطلب، من أنظمة خائبة، فتح باب التطوع للجهاد في فلسطين.
والسؤال: بأي سلاح؟!
إذا كانت الأنظمة التافهة لم تفلح حتى في صناعة الأعلام المرفرفة في أياديكم في المظاهرات والمباريات. وبات كل نصر رياضي وكل هزيمة عسكرية، بابًا لرواج الصين صانعة الأعلام العربية.