دموع الكلمات
جاءت تزورني بعد سنوات فراق طالت..اقتحمت صمتي،كسرت كل تلال الأيام التي وقفت بينها وبيني طوال هذه السنوات..
لم تسأل عني مرة واحدة،ولم أحاول أن اسأل عنها..ربما كبرياء رجل،ربما لأنني لا أريد اقتحام حياة اختارتها لنفسها مع رفيق غيري،ربما لأنني أردت أن أنهي الرواية حسب ما أحب أنا وليس على طريقة مخرجي الأفلام العربية..
كنت أريد أن أبقيها في نفسي،كنت أريد أن أجعلها شيئا في داخلي،كنت أريد أن تظل صورتها بكل ملامح الدفء والعطاء فيها.
إننا عادة نحاول أن ننسف كل الجسور مع أحبائنا قبل أن نتركهم،ولكنني كنت حريصا لا أدري لماذا أن أبقي كل شيء معها في داخلي.
وجاءت تزورني..تغيرت فيها بعض الأشياء..لم أحاول أن أسبح في ملامح وجهها..ولكنني توقفت عند منطقة آمنة أحببتها فيها "نظرت في عينيها"..كانت هناك دمعة مصلوبة..لا هي سقطت،ولا هي تراجعت..ظلت حائرة في عينيها وأنا أنظر نحوها.
قالت: كيف أحوالك؟
قلت: أعيش لأكتب..وجدت أن صداقة الكلمة تعوضني عن أشياء كثيرة لا أجدها مع الناس..
قالت: وما أخبار قلبك؟
قلت: يذكرك كثيرا.
.
قالت: متى..؟
قلت: في كل وقت أشعر فيه أنني وحدي..وأنا دائم الشعور بالوحدة.
قالت: جئت أودع معك عاما وأستقبل عاما..وأقول لك كل سنة وأنت أسعد..
قلت: كنت أريد أن أقول لك منذ يومين كل سنة وأنت طيبة،كان عيد ميلادك..
قالت: أمازلت تذكره..؟
قلت: لم أنس أشياء كثيرة معك،فكيف أنسى عيد ميلادك؟!،نسيت فقط جنونك القديم..
قالت: هل كنت مجنونة..؟
قلت: نعم..كنت مجنونة،وأنا أيضا كنت أكثر جنونا.
قالت: حقا..كنا مجانين يوم أن قررنا أن نفترق.
قلت: وكيف حالك بعدي..؟
قالت: أصبحت أؤمن أننا نعيش أقدارنا..لا نعيش حسب ما نحب، إننا لا نختار شيئا،إننا
فقط ننفذ خطة رسمت لنا وعلينا أن نقوم بها ولا نناقشها،مثل القطار لا يستطيع أن
يمشي أبدا بلا قضبان.
إنني أحببتك..لا أدري كيف،وأعيش بعيدة عنك ولا أدري لماذا،ولا أعرف ماذا سيحدث
غدا..لقد استرحت بعدك لأنني لم أعد أتساءل كثيرا..
قلت: وهل التساؤل جريمة!!..إنه أفضل شيء في الإنسان.
قالت: لقد حملتني معك إلى تساؤلات بلا إجابة..فاحترت أنت،وتمزقت أنا!!
قلت: لماذا لا تسألين عني..؟
قالت: لا أنا حبيبة..وفشلت أن أصبح صديقة.
لهذا فضلت أن أبقى بعيدة..مازلت أشعر بألم شديد كلما سمعت أخبارك أو قرأت عنك..
حتى قصائدك أشعر بنزيفها في صدري،وكثيرا ما أتوقف ولا أستطيع أن أكمل القصيدة..
قلت: هل أراك قريبا..؟
قالت: ربما..لا أستطيع أن أعدك،شعرت بشوق جارف إليك كثيرا ما أشعر به..وضعفت
اليوم فقط رغم أنني قاومته سنوات.
قلت: لن تصدقيني،ولن يصدقني أحد إذا قلت لك أنني كنت أفكر فيك في نفس اللحظة
التي وجدتك فيها أمامي..
قالت: الحب الحقيقي لا يموت..يتوارى في داخلنا،يشعر بتجاهلنا له..ولكنه فجأة يصيح
في داخلنا.
قلت: نسيت أن أطلب لك فنجانا من القهوة..
قالت: ربما نشربه معا بعد أعوام.
قلت: مازال فيك تفاؤلك القديم.
قالت: مازلت تقول أنك لن تعيش طويلا.
قلت: لم يعد يعنيني العمر..العمر ليس سنوات نعيشها،العمر أشياء تعيش في داخلنا لأن هناك أشياء لا نذكر منها شيئا..وأنا أعيش معك دائما..
ألم أقل لك يوما :
سوف ألقاك حياة ..
في زمان ميت الانفاس .. ممسوخ الرفات ..
بين يأس الناس عذب الأمنيات
دائما انت بقلبي
رغم أن الأرض ماتت ..
رغم أن الحلم مات ..
ربما ألقاك يوماً ..
في دموع الكلمات ..
الشاعر فاروق جويدة