كرامة الشهيد سمير محمد شحادة
الشهيد سمير شحادة .. بقي جسده كما هو بعد 15 عاماً من استشهاده
فلسطين المحتلة - نابلس المجاهدة الصابرة --جبل النار
حادثة فريدة من نوعها وقعت الأسبوع الماضي في مدينة نابلس و انتشرت تفاصيلها كالنار في الهشيم بين المواطنين ، فبعد خمسة عشر عاماً على استشهاد سمير محمد شحادة ، بقي جسده الممدّد داخل روضة من رياض الجنّة على حاله ، و لم يتغيّر عليه شيء رغم مرور كلّ هذه المدة الطويلة.
لقد اقتضت مشيئة الله تعالى أن تحيا الحاجة أم سامر شحادة (والدة الشهيد سمير( خمسة عشر عاماً بعد استشهاد أحبّ أبنائها الستة إلى قلبها .. سمير .. و منذ اليوم الأول لاستشهاده في 28/12/1988 كانت وصيّتها لأبنائها ألا تدفن بعد وفاتها إلا في نفس قبر سمير ، و كان لها ما أرادت ، و ربما كانت وفاتها قبل أيام فرصة لعددٍ من أهالي نابلس كي يتزوّدوا بشحنة إيمانية جهادية ترفع من معنوياتهم . و تحيي هممهم . و تحلّق بهم إلى العلياء.
«نسمع كثيرا عن كرامات الشهداء، وغالباً ما كنت اعتقد أنه مبالغ فيها ولا اصدقها برغم إيماني بوجودها، لكن ما حدث قبل أيام جعلني أصدق كل ما أسمعه عن كرامات الشهداء، فعندما فتحنا القبر وجدنا الشهيد سمير كما تركناه قبل 15 عاما، وكأنه استشهد قبل ساعة واحدة فقط».. بهذه الكلمات علق ماهر كتوت من البلدة القديمة في نابلس حينما شاهد كالمئات غيره واحدة من تلك الكرامات، فقد كان جسد الشهيد سمير شحادة الذي استشهد قبل 15 عاماً بصحته سالماً من أي تغيير، فكان على حاله يوم استشهاده!!
كان الشهيد سمير من نشطاء الانتفاضة الأولى، ومنذ اليوم الأول لانطلاقتها كان شغله الشاغل مقارعة الاحتلال، يشارك في رمي الحجارة باتجاه دوريات الاحتلال، كما أنه كان مسؤولاً عن إلقاء قنابل يدوية من صنع محلي على مركز لشرطة الاحتلال وكذلك إطلاق النار على معسكر الجيش الإسرائيلي في وسط نابلس.
وقبل استشهاده أفصح سمير لوالدته عن أمنيته بالشهادة قائلاً: «أتمنى أن تكون الرصاصة هنا في قلبي» ويشير إلى قلبه، وهذا ما حصل بالفعل، فقد استشهد نتيجة إصابته برصاصة قاتلة في نفس المكان الذي كان يشير إليه!!
أريدها في قلبي
روايات شهود العيان كلها تشير إلى ان حادثة استشهاد سمير كانت أقرب ما تكون إلى التصفية الجسدية أو الاغتيال، ففي يوم الأربعاء (28/12/1988 ) كان الإضراب الشامل يعم مدينة نابلس، فعمد جنود الاحتلال إلى نصب كمين للشبان داخل حي الياسمينة بالبلدة القديمة ، ومع خروج سمير من بيته أطلق عليه الجنود الرصاص، فأصيب إصابة بالغة استشهد بعدها فوراً، بعد اقل من أسبوع على استشهاد صديقه فارس شقو.
ومنذ اليوم الأول لاستشهاده كانت وصية والدته أن تدفن في نفس قبر سمير، وكان لها ما أرادت، ففي فجر الثلاثاء 23/9/2003 (انتفاضة الاقصى) توفيت والدته لمرض ألم بها.
يقول عامر (شقيق الشهيد سمير) : "قبل يومين من وفاة الوالدة رأيت في منامي رؤيا أيقنت بعدها أن شقيقي قد نال الشهادة بصدق ، و أن والدتي ستلحق به عن قريب ، فقد رأيت أناساً يتجمّعون في مكان بعيد ، و عندما اقتربت منهم رأيت من حولهم الجنان و البساتين و قد أعِدّت موائد الطعام و كان بينهم فتاة حسناء ، فسألتهم من تلك الفتاة ؟ فأشاروا لي إلى شاب بهيّ الطلعة ، و إذا به شقيقي سمير .
وعندما سألته لمن كلّ هذه الأطعمة و الموائد ، أجابني : لقد أعددتها لاستقبال والدتنا ، فهي على الطريق إلى هنا" كانت أم سامر قبل وفاتها بأيام ترقد في المستشفى نتيجة وعكة صحية بسبب إصابتها بعدة أمراض ، و كان بجانبها ساعة وفاتها فجر الثلاثاء 23/9/2003 ابنها عامر الذي روى لنا تفاصيل الحكاية ، فقد نطقت بالشهادتين ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة و أسلمت الروح إلى بارئها.
صهر العائلة كان في تلك الأثناء نائم في بيته و رأى في منامه الشهيد سمير يقول له متسائلاً : "القبر و قد فتحتموه .. و قد وسّعت لها القبر .. فأين هي !؟" ، و لم يوقظه من نومه إلا جرس الهاتف من المستشفى يبلغه بوفاة الحاجة أم سامر ، فما كان منه إلا أن قال لهم : "إذن أسرعوا بدفنها إلى جانب ابنها سمير" .
كرامة من الله
يقول عامر شقيق سمير: توجهنا بعد وفاة والدتي إلى المقبرة لنفتح قبر شقيقي استعدادا لدفن الوالدة فيه كما أوصت في حياتها، وكنا قد استفتينا عددا من العلماء حول جواز دفنها في نفس قبر ابنها، فأشاروا لنا بالجواز بسبب طول المدة، فقد كنا نعتقد ان مدة 15 عاماً كافية لأن لا يبقى من جسده سوى بعض العظيمات.
يضيف عامر: «عندما فتحنا القبر كانت المفاجأة الكبرى أننا وجدنا سمير كهيئته يوم استشهاده، وجسده كما هو لم يأكله الدود، حتى ملابسه لم تتلف، وكذا العلم الفلسطيني الذي لُفَّ به لم يتغير لونه، لمسناه فإذا هو مبلول من مياه الأمطار التي تساقطت يوم استشهاده، وكذلك رأسه كان مبتلاً وقد رأينا شعره ممشطاً كما لو انه قد سرحه قبل لحظات...»!
ويتابع قائلاً: «و زادت دهشتنا عندما هممنا بتحريكه لنفسح المجال لدفن الوالدة إلى جانبه، فإذا بجسده لا زال دافئاً و دماؤه الحارّة ذات اللون الأحمر القاني تسيل من جديد و كأنه أصيب قبل دقائق معدودة" ويضيف عامر : "كنت ? رغم إيماني بكرامات الشهداء ? أستخفّ بكثير من الروايات التي نسمعها خصوصاً عن شهداء هذا العصر ، فهم على عِظم قدرهم ليسوا أنبياء و لا من صحابة رسول الله .... و لكني بعد ما رأيت بعيني ما رأيت من كرامات لشقيقي سمير زاد إيماني و قناعتي بصدق تلك الروايات
كشهداء أحد
يقول الشيخ ماهر الخراز إمام مسجد الخضراء القريب من بيت الشهيد سمير: لقد اصبح لشهداء فلسطين كرامة مثل كرامة شهداء «غزوة أحد» من الصحابة الذين بقيت أجسادهم كما هي بعد أربعين سنة من استشهادهم، فعندما أراد أبناء أولئك الشهداء نقل رفاتهم إلى مكان آخر بعد أن جرف السيل قبورهم، وجدوا أجسادهم وجروحهم كما هي على حالها يوم غزوة أحد.. وهذه بشرى لأهالي شهداء فلسطين.
ويعود عامر ليكمل ما بدأه عن أحداث ذلك اليوم فيقول : قبل ان نضع جثمان الوالدة في قبر سمير خشينا ان لا يتسع القبر لهما، ولكن بمشيئة الله تبدد خوفنا فقد وجدنا القبر واسعا، وعندما وضعنا الوالدة في القبر ازدادت الابتسامة المرسومة على وجهها اتساعا، فقد نالت ما تمنت، ولحقت أخيرا بابنها وحبيبها ...سمير.
اللهم إني أسالك بالاسم الذي إذا سئلت به أجبت أن ترزقني الشهادة في فلسطين مسرى ومعراج حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم