بريطانيا واسرائيل: الجريمة والعقاب
اعلان ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني، ان حكومة بلاده قررت ابعاد دبلوماسي اسرائيلي على خلفية اغتيال محمود المبحوح أحد مؤسسي الجناح العسكري في حركة 'حماس' في امارة دبي، ينطوي على درجة كبيرة من الاهمية للأسباب التالية:
اولاً: تثبيت تهمة تزوير الجوازات البريطانية التي استخدمت من قبل منفذي هذه الجريمة على اسرائيل وجهاز 'الموساد' المتهم الرئيسي فيها، مثلما اكد الفريق ضاحي خلفان تميم قائد شرطة دبي في اكثر من مقابلة وتصريح صحافي.
ثانياً: تقديم ادلة جديدة وموثقة الى البوليس الدولي (الانتربول) لملاحقة المتورطين في هذه الجريمة وتسليمهم الى العدالة، فالحكومة البريطانية توصلت الى هذه الادلة الدامغة بعد التحقيقات التي اجرتها في كل من لندن وتل ابيب ودبي وكالة مكافحة الجريمة المنظمة الاكثر خطورة، وهي الوكالة البريطانية الاهم والاكثر خبرة بين قريناتها فيما يتعلق بمثل هذا النوع من الجرائم.
ثالثاً: ستؤدي هذه الخطوة البريطانية الى دفع دول اوروبية وغربية اخرى استخدمت خلية 'الموساد' نفسها جوازاتها في تنفيذ جريمتها، مثل فرنسا والمانيا وايرلندا واستراليا للاقدام على طرد دبلوماسيين اسرائيليين يعملون في عواصمها على غرار قرار الحكومة البريطانية.
رابعاً: لا نعرف ما اذا كان الدبلوماسي المطرود متورطاً في هذه الجريمة ام لا، او على علم بتنفيذها بشكل مسبق، وهو امر لم يؤكده الوزير البريطاني في بيانه امام مجلس العموم امس، ولكن من المرجح انه احد ضباط الامن في السفارة، وابعاده رسالة واضحة الى قادته في تل ابيب.
تزوير جوازات السفر البريطانية من اجل توفير الغطاء لخلية 'الموساد' لتنفيذ عملية اغتيال ارهابية في دولة صديقة للغرب هو انتهاك فاضح للسيادة البريطانية، وتهديد مؤكد لمصالحها وامن مواطنيها في اكثر من دولة في العالم.
الحكومة الاسرائيلية بمثل هذه الجريمة، وفي حق دول صديقة مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا وايرلندا واستراليا، تثبت انها دولة 'مارقة' لا تحترم الاعراف والمواثيق الدولية، وتتصرف تصرف العصابات الاجرامية الخارجة عن القانون.
العقاب البريطاني كان متواضعا جدا بالمقارنة مع حجم هذه الجريمة وانعكاساتها المحتملة على امن بريطانيا ومواطنيها، وكان المتوقع ان يكون، اي العقاب، اكبر بكثير من ابعاد دبلوماسي.
فعندما اقدمت اجهزة الامن الاسرائيلية على الجريمة نفسها عام 1987 وزورت جوازات سفر بريطانية لاستخدامها في عمليات ارهابية كان الرد البريطاني بابعاد اكثر من 13 دبلوماسيا اسرائيليا، ووقف التعاون الامني كليا مع الدولة العبرية لاكثر من اربع سنوات.
الوزير ميليباند قال انه حصل على 'تطمينات' من الحكومة الاسرائيلية بعدم تكرار هذا الانتهاك الفاضح للسيادة البريطانية، وتزوير جوازات سفر تحمل شعار الدولة وتجسد هيبتها وكرامتها، ولكنه ينسى او يتناسى ان وزير الخارجية الاسرائيلي الاسبق شمعون بيريس قدم التطمينات نفسها الى نظيره البريطاني عام 1987، مما يعني عمليا انها تطمينات او تعهدات لا قيمة لها، لان اسرائيل تعتبر نفسها فوق كل الاعراف والقوانين الدولية، وتستطيع ان تنفذ جرائمها وهي مطمئنة الى عدم المحاسبة او المساءلة بشكل جدي.
نعلم جيدا ان غوردون براون ليس مثل السيدة مارغريت ثاتشر ولكن كان عليه ان يبني على قرارها، ويبعد عددا اكبر من الدبلوماسيين الذين ابعدتهم انتصارا لبريطانيا وكرامتها وسيادتها وهيبتها، لان الانتهاك الحالي اكبر بكثير من الانتهاك الذي وقع في عهدها، وخرق واضح لتعهدات رسمية بعدم تكراره.
الدلال الغربي، والبريطاني ـ الامريكي على وجه الخصوص، هو الذي يدفع باسرائيل وحكومتها الى الاقدام على مثل هذه السياسات التي تطبقها حاليا، مثل تحدي الارادة الدولية بالمضي قدما في الاستيطان في القدس المحتلة وقتل العملية السلمية، وارتكاب جرائم حرب اثناء العدوان على قطاع غزة، واخيرا انتهاك سيادة اكثر من سبع دول بتزوير جوازاتها، وارسال فرق اغتيالاتها الى دولة مسالمة مثل دولة الامارات العربية المتحدة لزعزعة امنها واستقرارها، وهز صورتها كمركز مالي دولي ومنطقة حرة.
هذه ليست افعال دولة تدعي انها الديمقراطية الوحيدة وممثل الحضارة الغربية في منطقة الشرق الاوسط. هذه افعال دولة 'مارقة' تتصرف بمنطق العصابات الاجرامية والجماعات الارهابية، الامر الذي يتطلب وضع حد لجرائمها من خلال عقوبات دولية صارمة وحاسمة في الوقت نفسه، اسوة بالدول المارقة الاخرى.