يوفر خط الترام الجديد في مدينة القدس افقا جديدا للتنقل والتجوال في هذه المدينة القديمة، منذ افتتاحه في اغسطس/آب، لكنه ليس مشروعا خاليا من الجدل والخلاف.
الحدود داخل القدس خفية عن العين المجردة، وبالنسبة للشخص الخارجي لا يمكن ملاحظتها، وان كنت لا تعرف اين انت في القدس فالاحتمالات واردة ان تضيع عليك حدود في اي جانب انت، لكنها في الواقع حدود موجودة.
خلال زياراتي المتفرقة للقدس على مدى ثلاثين عاما، طرأ على المشهد الجيوسياسي للمدينة تحولات وتغيرات كبيرة.
آخرها هو انشاء خط القطارات الخفيفة (الترام) الذي اشتعل فتيل الجدل حوله منذ افتتاحه، منه ما له علاقة بمشاكل فنية، ومنه ما له علاقة باشارات المرور، والتذاكر، الى جانب التعقيدات السياسية.
الجانب الغربي من المدينة، الذي ضمته اسرائيل اليها في عام 1948، مختلف من نواحي الجو العام والثقافة واللغة والبيئة والتسهيلات عن الجانب الشرقي، الذي احتله اسرائيل ايضا في عام 1967.
منذ ذلك الحين وسّعت اسرائيل بشكل لافت الحدود البلدية للقدس، وضمت اجزاء واسعة من المناطق اليها، على الرغم من عدم الاعتراف الدولي باحتلالها للمدينة، لكن اسرائيل اعتبرتها، من جانب واحد، عاصمتها الموحدة والابدية.
خط الترام الجديد يمر من دون مشاكل من الاراضي الاسرائيلية باتجاه القدس الغربية، ثم الى القدس الشرقية المحتلة، ورحلتي بدأت من مستوطنة بسغات زئيف اليهودية حيث الفيلات والمحلات والشقق السكنية.
حراسة امنية
توقف الترام في محطة لثماني دقائق، فدخلت الى محل حلويات عند المحطة، حيث جلس ثلاثة رجال حول طاولة قرب الرصيف، احدهم اسمه اوري، صاحب المحل، الذي ذهب ليحضر لي فنجان قهوة، وجلست انا اسأل الاثنين الآخرين عن رأيهما بخط الترام.
قال احدهما: "انه رائع، صار بامكاني الذهاب الى المدينة في 20 دقيقة، اتسوق واعود للبيت بدون عراقيل مرورية".
ويضيف: "من الرائع ان العبور من الغرب الى الشرق، العرب الذين يعيشون في القدس لا يملكون نظام نقل عام، وهم يستحقون ان يكون لديهم نظام. لم اتحدث مع عربي قبل ان ابدأ في استخدام الترام".
عدت الى عربة الترام الذي عبر باتجاه القدس الشرقية، ويبدو انني اخترت يوما هادئا، اذ لم يكن سوى ربع المقاعد مشغولة.. مزيج من الاصوليين اليهود، وبعض الفلسطينيين من الطبقة المتوسطة، وبعض السياح.
تعرض خط الترام المقدسي الى تأخيرات في التشغيل لعدة اسباب اهمها موضوع الامن، حيث يلاحظ الراكب وجود حارسي امن يرتديان ملابس مدنية في كل عربة.
ويعلن عن اسماء المحطات العبرية والعربية والانكليزية، دليل آخر على رغبة السلطات البلدية في جعله مشروعا للتوحيد.
فرص اكتشاف
الا ان معظم الفلسطينيين الذين تحدثت اليهم في القدس قالوا انهم ليسوا في وارد استخدام خط المترو، واكثرهم يرون انه محاولة غير قانونية من المحتل الاسرائيلي العسكري لفرض هيمنته وسلطته.
الا ان الياس نابر، رجل الاعمال المسيحي من بيت لحكم، له رأي آخر، اذ يقول: "الارض ضاعت، والسكك ثبّتت في مكانها، وسواء ركبت القطار ام لا لن يتغير من الامر شيء، اذا كان الامر مفيدا فسأركبه واستخدمه".
وتتقدم الرحلة حتى نصل الى جدران المدينة التي تعود للقرن السادس عشر، التي بناها السلطان العثماني سليمان القانوني، ونصل الى احد الحدود الفاصلة الواضحة بين الشطرين، لتبدأ فجأة ساعة الازدحام.
خلال محطتين امتلأ الترام بالكامل، وكلهم كانوا من الاسرائيليين.. مراهقون.. جدات باكياس تسوق.. رجال اعمال، وطلاب.
ظل الترام مزدحما وصاخبا حتى بدأ بالوصول الى ضواحي المدينة، حيث المناظر المألوفة لما يمكن ان تكون عليه الحياة في الضواحي.
هذا المشروع يوفر فرصا للجانبين، اليهودي والفسطيني، لتذوق معنى التعايش المشترك.
الاسرائيليون توفرت لهم منذ زمن فرصة اكتشاف القدس الشرقية، لكن القليل منهم جرب ذلك، اما بالنسبة للفلسطينيين فما زالت فرص اكتشاف القدس الغربية جديدة عليهم.