رحـل هذا العام ...
لا أعلم أنتهي و أنا من أهله ,, و ربما بالغد من أهل الدار الأخره ...
تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية ..
ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً :
ماذا قدّم فيما أنقضى من أيام عمره و لياليه ؟؟
و يزداد خوفاً و فرقاً عندما يستحضر ...
ما رواه الترمذي و ابن ماجة و غيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، و أقلهم من يجوز ذلك ) .
فيا الله ما أقصر الأعمار .... !!!
تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المئة ’’
ثم تنتهي من الدنيا و تنتقل إلى الآخرة ’’
و هذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة ....!!!!
فهاهو عامنا الهجري رحل يجمع أطرافه و يلم أوراقه و يربط حقائبه ..
يودعنا راحلاً بما حوى بين جنباته من أفراح و أتراح و آلام و آمال ..
فكم سعد فيه من أناس و كم شقي فيه من آخرين ...
كم من دمعات أنحدرت فرحاً باللقاء ...
و كم من عبرات سكبت من لوعة الفراق ...
مرت سنون بالوئام و بالهناء فكـأننا و كـأنها أيــام ...
ثم أعقبت أيام سوء بعدها فكأننا و كـأنها أعــوام ...
فكم من لحظات جميلة حلوة كالشهد طعماً ,,
و هنيئة لذيذة كالماء البارد على الكبد العطشى ,,
و كم من مناسبات يطير لها القلب شوقاً و فرحاً ,,
و مواقف و أحداث يحبها الإنسان ,,,
وددنا أنها تتكرر و تدوم...
و لكن الله يفعل مايشاء و يحكم مايريد ...
يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيء إذا ما تم نقصان = فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول = من سره زمن ساءته أزمان
و هذه الدار لاتبقي على أحد = و لايدوم على حال لها شان
فكم من قريب في هذا العام ودعناه بعبرات حرّى و دموع مهراقة بعد أن وأريناه التراب ...
و كم من صديق عزيز عظم فيه المصاب فلله الأمر من قبل و من بعد ...
فالمقصود أن هذا العام قد أنصرم و كل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا و تقربنا من الآخرة ..
قال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتى عليك ؟ قال : ستون سنة .
قال : فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ .
فقال الرجل : إنا لله و إنا إليه راجعون .
قال الفضيل : أتعرف تفسير قول : إنا لله و إنا إليه راجعون !!؟
فمن علم أنه لله عبد و أنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف ,, و من علم أنه موقوف ,,
فليعلم أنه مسئول ، فليعد للسؤال جوابا ,,
فقال الرجل : فما الحيلة ؟
قال : يسيرة . قال: ما هي ؟
قال : تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى ,,
فإنك إن أسأت فيما بقي ,, أُخذت بما مضى و ما بقي و الأعمال بالخواتيم .
و قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه :
" أرتحلت الدنيا مدبرة و أرتحلت الآخرة مقبلة و لكل واحدة منها بنون ,,
فكونوا من أبناء الآخرة ,, ولا تكونوا من أبناء الدنيا ,, فإن اليوم عمل و لا حساب ,,
و غداً حساب و لا عمل " أخرجه البخاري.
فالذي ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه ماذا قدم في ما مضى من عمره :
قال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد ))
قال ابن كثير رحمه الله :
( أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و أنظروا ماذا أدخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ) .
فسبحـــــــــــان الله !!!!!
كيف يفرح العاقل بقطع الليالي و الأيام ؟؟
دون أعتبار و لا حساب لما كان فيها وما يكون بعدها ...
فإن اللبيب الموفق من أتعظ بأمسه ,, و أجتهد في يومه ,, و أستعد لغده ...
اللهم أخلف علينا عامنا المنصرم بأعوام مليئة بالخيرات ...
و معمورة بالطاعات إنك سميع مجيب ...