في الذكرى الثالثة للحرب الصهيونية على غزة التي تصادف، الثلاثاء 17-12-2011، بدأت الصورة تكتمل وضوحاً حول الفشل الذريع الذي منيت به الدولة العبرية على المستوى السياسي وإن تفوقت عسكرياً، حيث يرى المراقبون لنتائج تلك الحرب أن المقاومة الفلسطينية مازالت تحصد مكاسب سياسية بلغت ذروتها في العام الحالي، فيما (الكيان) يعيش تخبطاً داخلياً، وعزلة دولية.
فنجاح صفقة تبادل الأسرى - من وجهة نظرهم- وبقاء "حماس" كقوة فاعلة تتمتع بأغلبية برلمانية، أدلة قاطعة على نجاح الفلسطينيين سياسياً، علاوة على الالتفاف الجماهيري الحاشد من المحيط إلى الخليج حول المقاومة التي تعزز الآن بنسيم الربيع العربي.
وكانت قوات الاحتلال الصهيوني، شنت عملية عسكرية ضد قطاع غزة، نهاية كانون الأول/ ديسمبر من عام 2008، استمرت 23 يوماً، وأسفرت عن استشهاد نحو 1400 فلسطيني، وإصابة أكثر من 5400 شخص بجروح.
كشف القناع
الدكتور ناجي شراب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر يرى أن الحرب قد دفعت المجتمع الصهيوني وحكومته نحو مزيد من التطرف واليمينية، وأحدثت مزيداً من التخبط السياسي بين صناع القرار في الكيان، كما أنها كشفت القناع المزيف للديمقراطية الصهيونية أمام مرأى العالم.
وقال شراب في حديث صحفي: "إن (الكيان) في عدوانها فقدت تعاطفاً دولياً، ودفعت بشعوب العالم إلى الضغط على حكامها وبرلماناتها لقطع العلاقات معها احتجاجاً على جرائمها غير الأخلاقية بحق الفلسطينيين العزل، كما أن العدوان أحدث بلبلة مناوئة داخل المجتمع الصهيوني لعدم مقدرة الترسانة العسكرية على استئصال جذور المقاومة الفلسطينية".
وأضاف: "بقاء حركة حماس صامدة أمام الترسانة العسكرية الصهيونية أكسبها زخماً سياسياً وتأييداً عربيا وتضامناً غربياً، كما أن تمسكها بالقطاع قد عزز من مفهوم وأهمية المقاومة لدى شعوب المنطقة، لافتاً إلى أن دول العالم ذات الثقل السياسي باتت تعتبر حماس -وإن كان الاعتبار ضمنياً- عنصراً فعالاً في المنظومة الفلسطينية لا يمكن الاستغناء عنه.
وأكد شراب أن الحرب الصهيونية كانت أحد الدوافع وراء سعي الشعوب العربية للتخلص من حكامها الذين أدينوا بالتواطؤ مع (الكيان) في حربها على غزة وبروز تيارات دينية كقوى سياسية على الساحة العربية والإسلامية في قيادة التحركات الشعبية المناهضة.
وقال: "الحرب على غزة وسعت من شعبية التيار الإسلامي في الأوساط الشعبية والمثقفين، وأصبح من القوى السياسية الأولى المؤثرة في قيادة الشعوب في المستقبل وهذا الامتداد جاء على حساب التيار القومي والاشتراكي".
صمود وتجذر
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية الدكتور عثمان عثمان، إن عدم مقدرة (الكيان) على تفكيك بنية "حماس" أثبت أنها جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني لا يمكن لأحد تجاهلها كقوة فاعلة ومقاومة.
وأضاف عثمان : إن الحرب أنجحت حركة "حماس" سياسياً وأفشلت الكيان الصهيونية الذي استخدم طاقته العسكرية لتحقيق أهداف سياسية.. الدولة العبرية فشلت في القضاء على حكم حماس، وتحرير شاليط، ونزع المقاومة من براثن الفلسطينيين".
وأشار إلى أن العملية التفاوضية التي مضى عليها أكثر من عشر سنوات لم تتمكن من إطلاق سراح أسير حكم عليه بالمؤبد "بل المقاومة هي من قلبت تلك الموازين".
وأكد عثمان أن تقرير "جولدستون" الذي بحث الحرب على غزة بحد ذاته إدانة واضحة لـلكيان على مختلف الصعد، وإن لم يدنها فعلياً، لكنه عرضها إلى المساءلة الدولية، ودفع بها إلى التخوف من أي اعتقال أو محاكمة لقياداتها المشاركين في الحرب.
وأضاف أن الحرب قد عزلت (الكيان) سياسيا، وقوضت العلاقة مع تركيا خصوصا بعد الهجوم على سفينة "مرمرة"، وجعلت الحكومة الصهيونية تفكر ملياً قبل الإقدام على أي حماقة كهذه.
ولفت إلى أن الحرب على غزة زادت من حجم الاصطفاف الجماهيري الحاشد من المحيط إلى الخليج حول المقاومة، وأكدت على رفض تلك الشعوب الوصاية الأجنبية وسياسة أنظمتها العربية الملتحقة بالركب الأمريكي.
وختم عثمان بالقول: "الجماهير العربية تجاوزت النظام العربي الرسمي وتجاوزت قياداتها السياسية الحزبية والمدنية، وبالتالي فإن الهبة الشعبية التي تجتاح الشرق الأوسط اليوم تخدم المقاومة الفلسطينية وتعزز من مكانتها في قلوب المناصرين لها، وبالتالي ستكون أي حرب صهيونية على الفلسطينيين بمثابة البارود المتفجر على (الكيان) وأعوانها في المنطقة".