بقلم: فضيلة د· عبد الملك بن محمد القاسم
السلام سُنّة قديمة منذ عهد آدم -عليه
السلام- إلى قيام الساعة، وهي تحية أهل الجنة: {تّحٌيَّتٍهٍمً فٌيهّا
سّلامِ} [إبراهيم: 23] وهي من سنن الأنبياء، وطبع الأتقياء وديدن الأصفياء،
وفي هذه الأيام أصبح بين بعض الناس وحشة ظاهرة وفرقة واضحة!
فترى أحدهم
يمر بجوار أخيه المسلم ولا يلقي عليه تحية الإِسلام، والبعض يُلقي السلام
على من يعرف فقط، وآخرون يتعجبون أن يُلقى عليهم السلام من أناس لا
يعرفونهم!
وهذا كله من مخالفة أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى
تباعدت القلوب، وكبرت الجفوة، وزادت الفرقة، يقول -صلى الله عليه وسلم-:
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَ لا أدلكم على شيء
إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم·
وفي الحديث
المتفق عليه، أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أي الإِسلام
خير؟ قال: تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)·
وفي
هذا حث على إشاعة السلام بين المسلمين، وأنه ليس مقتصراً على معارفك
وأصحابك فحسب!، بل للمسلمين جميعاً، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يغدو
إلى السوق ويقول: (إنما نغدو من أجل السلام، فنُسلم على من لقيناه)·
إن
الإِسلام دين الألفة والمحبة والتعاون والتعاضد؛ فالمسلمون كالجسد الواحد
يشد بعضه بعضاً ويتألم بعضه لبعض، فهم أمة مترابطة متكاتفة، وجعل -سبحانه-
لهذه الرابطة وسائل وطرقاً تقويها وتحييها، وتجدد ما تطاولت به الأيام من
الفراق والبعد؛ وتبدأ بأول لحظة في اللقاء؛ ألا وهو إشاعة السلام؛ لينعم
المسلم بالأمن والطمأنينة·
فالسلام تحية أهل الإِسلام في الدنيا والآخرة
تحية أهل الإِسلام في الدنيا: السلام عليكم، وقد أمروا بإفشائها؛ لأن ذلك
من أسباب الألفة والمحبة بينهم، وهي تحية الرب -جلَّ جلاله- لأهل الجنة،
قال تعالى: { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } [يس: 58] والسلام
المُلقى عند التحية معناه: دعاء الله بطلب السلامة من الشرور للمُسلم عليه·
والسلام
من أسماء الله الحسنى، قال تعالى: { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ
إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ } [الحشر: 23]، وثبت عنه
-صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان إذا انصرف من الصلاة المكتوبة استغفر
ثلاثاً، وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال
والإِكرام( رواه مسلم·
في الصحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال:
(كنا إذا كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام
على الله من عباده، السلام على فلان وفلان· فقال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام)·
ومعنى هذه
الاسم العظيم (السلام) أي: السالم من النقائص والعيوب· يخبر ابن مسعود -رضي
الله عنه- أنهم كانوا قبل أن يُفرض عليهم التشهد في الصلاة يقولون:
(السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل)، فنهاهم -صلى الله
عليه وسلم- بقول: (لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام)·
إن
قول: (السلام على الله) من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد والحكمة في ذلك:
إن الله -سبحانه- سالم في ذاته من كل نقص وعيب، وهذه المقولة: (السلام على
الله) توهم نقصاً ينزه الله عنه·
إن الله -سبحانه- مسلِّم لغيره، فالعباد فقراء محتاجون إليه يسألون السلامة من الشرور، أما الله -سبحانه- فهو غني لا يحتاج لأحد·
والله
هو المطلوب منه، لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له، وهو الغني له ما
في السموات وما في الأرض، وهو السالم من كل تمثيل ونقص، وكل سلامة ورحمة
له ومنه، وهو مالكها ومعطيها، استحال أن يُسلَّم عليه -سبحانه-، بل هو
المُسلِّم على عباده، فهو السلام ومنه السلام، لا إله غيره، ولا رب سواه·
فعلى العبد تعظيم ربه وتنزيهه عن كل ما لا يليق به، ومن تعظيمه ألا يقال: (السلام على الله)، فالواجب الحذر من ذلك·
إن
من ثمرات طاعة الله ورسوله أن المطيع المتقي تُصيبه دعوة كل مصلٍ على وجه
الأرض؛ والعاصي قد حرم نفسه من هذا الدعاء بسبب ذنوبه، قال -صلى الله عليه
وسلم-: (إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات الطيبات؛
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؛ السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء
والأرض) رواه البخاري·
السلام يدل على تواضع المسلم ومحبته لغيره، وينبئ
عن نزاهة قلبه من الحسد والحقد والبغض والكبر والاحتقار، وهو من حقوق
المسلمين بعضهم على بعض، ومن أسباب حصول التعارف والألفة وزيادة المودة
والمحبة، وهو من أسباب تحصيل الحسنات ودخول الجنات، وفي إشاعته إحياء لسنة
المصطفى -صلى الله عليه وسلم-·
قال -عليه الصلاة والسلام-: (خمس تجب
للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض،
واتباع الجنائز) رواه مسلم·
قال أنس -رضي الله عنه- لابنه: (إذا دخلت
بيتك فسلِّم على أهلك؛ تكن بركة عليك وعلى أهل بيتك)·وأفضل صيغ السلام، أن
يقول المسلم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وأجرها ثلاثون حسنة؛
ويليها قول: (السلام عليكم ورحمة الله)· وأجرها عشرون حسنة؛ ويليها قول:
(السلام عليكم) بعشر حسنات؛ كما جاء في الحديث، (وإذا سلَّم عليكم أهل
الكتاب، فقولوا: وعليكم)·
والواجب على من أُلقي عليه السلام أن يرد
امتثالاً لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله
عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا
الطريق حقه) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر، وكف
الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق عليه·
قال
الإمام النووي -رحمه الله-: (واعلم أن ابتداء السلام سنة، ورده واجب، وإن
كان المُسلِّم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم، وإذا سلَّم بعضهم حصلت سنة
السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلِّم عليه واحداً تعين عليه الرد، وإن
كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن
الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع)·
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 44]·