يا بنت الكلب...!! .. بقلم:شوقية عروق منصور
-----------------------------
لا أعرف من هو الفيلسوف الذي قال: "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة", إلا إنني أعرف أنه كلما إتسعت عندنا- نحن العرب- الرؤية الحياتية والسياسية والاجتماعية ضاقت الرؤية الكلامية، وتحولت إلى مشد ستاتي- الذي يشد أعضاء الجسم. لكن بدلاً من إبراز جمال وتفاصيل الحروف والعبارات، يظهر الترهل اللفظي بطريقة تؤذي الأذن..!
قالوا عن العرب الكثير في مجال الحكي والثرثرة، وأكدوا أننا قوم قوالون نجيد رمي الكلام دون التنفيذ, ونفخ الحروف ثم تنفيسها في الهواء دون نتيجة، وإننا على استعداد أن نسجل ملايين القصائد والأشعار في قضية ما دون أن نقاتل وندافع عنها وقت الجد. وقضية فلسطين شاهدة عيان على أنهار الدموع والحبر.
ابن خلدون أكد أنه في انتصار وإزدهار الأمم ترتقي العبارة في اللفظ والكلمة والغناء. وهنا نسقط في الفخ والمصيدة. الغناء الذي أصبح هوية الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. ورغم الربيع العربي الذي ادخل هويتها في الغموض والتشتت والصراع الدامي, إلا أن الغناء بقي فيتامين الفضائيات العربية التي عملت على اصطياد الحناجر تحت عناوين تجارية وبرامج لحث الشباب والشابات على الغناء. أصبح لكل فضائية برنامجها وأرقام هواتفها, وأس. أم. أس. خاص بها، حتى تحولت هذه الأرقام إلى بقرات حلوب ترعى فوق الشاشات لجذب الجيوب تحت مسميات الربح والفوز والتنافس. وعندما يفوز المغني الشاب بعد شد الأعصاب وإدخال الجماهير في تلهف صارخ جنوني، ويضخ الأعلام صوره حتى يتحول إلى سلعة تجدها أمامك كل لحظة حتى يكون الاختفاء، لكن ماكينة الوجوه تعود وتنتج المطربين والمطربات، إلى ان أصبح عددهم يفوق عدد المستمعين..!
والهبوط السريع في اللفظ والكلمات ليس مجرد مقدمة عبثية. إنها تدل على الأرضية التي تقف فوقها الجماهير، أرضية رخوة من مميزاتها التردد واللا مبالاة. وإلا كيف نفسر أن الغناء الذي يجب أن يحمل نبض الحاضر بأوجاعه وصموده، بحيرته وخوفه، بميادينه وشوارعه وطرقاته، بوجوه شهدائه، بجوعه وفقره، بمشاكله الشبابية وهروبه، كيف نفسر الابتعاد عن هذه الأجواء الملتصقة بالدم والخوف والشوارع النازفة، حتى وصلت إلى الكلب؟! ليس معناه أننا ضد الأغاني الموجه الحيوانات, والتي غالباً تكون للأطفال، لكن حين يربطها الإنسان بالشتيمة والاستخفاف، نشعر أن الفراغ قد تمدد في أعماقنا لدرجة الذهول.
من بعد "الحمار" والحب الشديد الذي أخرج أغنية "بجبك يا حمار" حتى رفعت الحمير الرؤوس وتحول غباؤها إلى حالة نقاش. وها هو الكلب يدخل الغناء على يد مطربة تدعى ساريا سواس تغني "وين امبارح سهرانة, يا بنت الكلب".. إنها تشير وتقول لها يا بنت الكلب، كأنها في حارة أو زقاق، تردح وتشتم، وتذاع الأغنية..!
اعتقدت في البداية ان المطربة تشتم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون, التي كانت تزور المقاطعة وتتصرف أمام أبو مازن كأنها ولية الأمر. وكذلك تتصرف مع الرؤساء العرب بعنجهية وأوامر خفية، حيث تضرب الرئيس العربي ضربة قاضية، قاضية على كرامته وكبريائه، معلنة أمام مواطنيه أنها الأقوى وهو الختم والخاتم..!
أو تقول يا "بنت الكلب" لتسيبي ليفني, التي اعترفت أنها استطاعت أن تخدع مسؤولين وشخصيات سياسية عربية عبر جسدها وممارسة الرذيلة, حين كانت عميلة للموساد، لكي تحصل على أسرار عسكرية وسياسية, وتم ذلك بمباركة الحاخامات الذين وافقوا على سلوكها من أجل الدولة؟! تسيفي ليفني تملك تذكارات من هؤلاء الرجال الذين خدعتهم، من تصوير وأصوات. وهي تستطيع نشرها, لكن لا تريد التسبب بإحراج لهؤلاء الرجال أمام زوجاتهم. وها هي ليفني تقف الآن وتزاحم الوجوه على الحلبة الانتخابية، معتزة ومفتخرة بما قامت به من أجل دولتها..!
المغنية إياها لم تقل يا "بنت الكلب" لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس, التي تركت خلفها صوراً سيئة للمرأة حين تتحول إلى جلاد يتجول بين الضحايا مبتسماً ابتسامة ناصعة البياض. وقد رأيناها واضحة في حرب لبنان عام 2006، وقبلها كانت مدلين اولبرايت, والآن القادمة سوزان رايس بدل هيلاري كلنتون. ولم تقلها يا "بنت الكلب" لمرجريت تاتشر المرأة الحديدية، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة, المصابة الآن بالزهايمر، لكن صورها وهي تضحك على مجازرنا وأجسادنا المصلوبة ما زالت راسخة في الذاكرة. لا ننساها، وإذا هي نسيتها وعابت مع ذاكرتها ذات الثقوب البيضاء، فالتاريخ أقوى من الذاكرة..!
"المطربة" ساريا سواس بأغنيتها تسأل المرأة "بنت الكلب" أين كانت؟! قد تكون تعمل أو ترقص أو على علاقة مع رجل ولكن لم تسأل المطربة هؤلاء النسوة, أو اللواتي يتحكمن برقاب الشعوب, أين كن؟! وكيف يواجهن العالم بخداعهن, وكيف يخططن, ثم كيف ينسين, يا "بنت الكلب" أيتها الحرب..؟!!