لماذا يفقد العرب
والمسلمون زمام المبادرة؟
من الملاحظ أن الدول العربية والإسلامية في كل المواقف والتطورات
الداخلية والخارجية، أو معظمها، تكون في موقع المتلقي السلبي لما تقوم به
الدول صاحبة النفوذ والقوة، دون أن يكون لها القدرة على أخذ زمام المبادرة،
مع أن ما تمتلكه الدول العربية والإسلامية من الموارد والمواقع الاستراتيجية
يؤهلها لتكون لها كلمة نافذة على الأقل في شؤونها الداخلية والقومية.
فالأزمة السورية على سبيل المثال، وقبلها الأزمة الليبية وأزمات الربيع
العربي ككل، كان يمكن أن تحل عربيا وإسلاميا دون أن تستجدي دولنا
العالم الخارجي للتدخل أو عدم التدخل. وفي هذا المجال، لا يجب إغفال
حقيقة أن المصالح الأجنبية لا تتقاطع ولا تلتقي، في كثير من الأحيان، مع
المصالح القطرية والقومية للدول العربية. بل إن المصالح الخارجية تتناقض
بمجملها مع المصالح القومية، ومع ذلك يتم إغفال العامل العربي المشترك
كآلية فاعلة في حل الخلافات والأزمات، لأن مثل هذا العامل مهمش أصلا،
ولا يتبلور في العادة إلا على شكل مبادرات تحمل في ثناياها بذور الضعف
والفناء وعامل بقائها هو الحبل السري الذي يربطها بالرابط الدولي الذي لا
يقل عنها ضعفا وفشلا.
الدول العربية والإسلامية تمتلك أكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم،
لكن استغلاله يقتصر على الغايات الاقتصادية واسترضاء القوى الأجنبية.
وليس المقصود هنا هو استخدامه كسلاح في معركة يعرف الجميع أنها لن
تقع، لأن خيار السلام هو الذي تتم ملاحقته كالسراب، ولكن على الأقل أن
يوضع في خدمة ودعم التوافق العربي والإسلامي على حلول ومبادرات تنقذ
ما يمكن إنقاذه من المقدرات العربية المهددة بالاندثار، عاجلا أم آجلا.
وهنا نشير إلى قمة منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم حوالي ٦٠
دولة، كان يمكن أن تشكل كتلة ضاغطة على الدول صاحبة النفوذ والقوة
في هذا العالم، وما زال بإمكانها أن تقوم بدور فعال في إنهاء الأزمة
السورية وغيرها. لكن الانقسامات في صفوفها وتعارض المصالح أفقدها
تلك الفعالية. وكان أقصى ما يمكنها الخروج به هو تعليق عضوية سوريا
في المنظمة- وهي خطوة لن تقدم ولن تؤخر، لأن الجامعة العربية اتخذت
خطوة من هذا القبيل قبل أكثر من عام، وما زالت الأزمة السورية تزداد سوءا
حتى اليوم رغم هذا القرار.
والإشكالية أن بعض الدول التي تطالب بالحرية والديموقراطية في
سوريا، هي نفسها بأمس الحاجة لهذين المطلبين الإنسانيين، ولا يعني
ذلك أن مطالب الشعب السوري غير محقة، وإنما أن على الدول التي تساند
هذا التحرك الشعبي السوري أن تعطي المثال من نفسها أولا، بمواكبة ما
تدعو إليه في دول الربيع العربي ونسجا على منواله.
وما يعوق أخذ العرب والمسلمين زمام المبادرة هو تفرقهم وتشتت
كلمتهم، والافتقار إلى المصداقية والحكم الرشيد الذي هو "بالشعب ومن
الشعب ومن أجل الشعب"- وفقا لعبارة الرئيس الأميركي محرر العبيد ابراهام
لينكولن، مضافا إلى ذلك غياب المساءلة ومحكمة الفساد والمفسدين،
وتضييع ثروات وموارد الأمة في ما لا طائل من ورائه. وهذا وضع مزر، لكن
الجيل الحالي والأجيال القادمة ستغيره للأفضل. وهذه سنة الحياة وناموس
التطور الذي لا يستطيع أحد، كائنا من كان، أن يصده أو يقف في وجهه.