حديث جريدة القدس الفلسطينية مجرد ذرائع لتكريس الانقسام
-----------------------------------
هناك اتفاقان وقع الأول في مكة المكرمة، والثاني في القاهرة لإنهاء
الانقسام الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الوطنية التي أصبحت سرابا :كلما
ظن الشعب الفلسطيني أنه اقترب يفاجأ بأنه على العكس من ذلك يزيد
ابتعادا يوما بعد يوم.
ومن الواضح أن كلا من الفصيلين الكبيرين مرتاح لوضع الانقسام الحالي،
بما يوفره لكل منهما من المناصب والمزايا والأرباح المادية والسياسية. ولهذا
فإن إنهاء الانقسام يعني التخلي عن كل هذه "الأمجاد" الوهمية والتعرض
بدلا من ذلك لعقوبات وحصار دولي شبيه بما حصل عند تشكيل حكومة
الوحدة الوطنية، التي سبقت سيطرة حماس على قطاع غزة :حيث رفضت
حماس الامتثال لشروط اللجنة الرباعية الدولية المتمثلة في الاعتراف
باسرائيل ونبذ العنف، والاعتراف كذلك بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة
التحرير الفلسطينية واسرائيل. وكان رد الفعل الدولي هو حصار مالي للضفة
والقطاع على حد سواء.
وبصراحة، فإن الربيع العربي ونتائجه، خصوصا في مصر الشقيقة، ربما
أبعدت إمكانية المصالحة أكثر من ذي قبل. ولا يعني هذا أن القيادة المصرية
برئاسة الرئيس محمد مرسي تقف ضد المصالحة، ففقد صرح الرئيس مرسي
بأن هدف الوفاق الفسطيني في مقدمة أولوياته، لأن ذلك يصب في مصلحة
الشعب افلسطيني أولا ومصر ثانيا.
لكن القيادة الحمساوية ربما ترى في وصول الإخ ÀÀوان المسلمين إلى
السلطة في مصر، وهي الجماعة التي تنتمي حماس إليها عقديا، ما يعزز
موقف الحركة بخصوص الوحدة الوطنية، ويتيح لها إمكانية التهرب من
الاتفاقيتين الموقعتين في مكة والقاهرة. خصوصا وأن هناك حديثا،
وربما وعودا مصرية بفتح المعابر، وتسهيل الظروف الصعبة التي يحياها
المواطنون في القطاع،
وفي المقابل فهناك حساسية لدى السلطة الفلسطينية تجاه التحركات
والاتصالات التي تجريها حكومة حماس، ولا سيما استقبال قادتها كمسؤولين
فلسطينيين رسميين في بعض الدول العربية والإسلامية. وقد عبر الرئيس
محمود عباس عن تحفظاته على مثل تلك التحركات والاستقبالات.
وفي الصورة النهائية، فإن المصالحة الوطنية الفلسطينية تواجه عقبات
بعضها مضت عليه شهور وربما أعوام، والبعض الآخر هو من نتائج الربيع
العربي وصعود التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية.
ومن المؤسف والمحزن أن الفصيلين الكبيرين لم يقرأا بعد المعطيات العربية
والإقليمية والدولية الجديدة، ولم يتصرفا بما يخدم المصلحة الفلسطينية
العليا والقضية الفلسطينية عبر الاستفادة إيجابيا من هذه المعطيات
والمتغيرات، وليس الدوران في دوامة الماضي والتصرف وفقا لقواعد اللعبة
القديمة التي أصبحت لاغية أو شبه لاغية.
ومن هنا، فإن على المواطن الفلسطيني أن يتوقع، وربما يتأكد من أن
الوضع الانقسامي الحالي سيستمر حتى أجل غير مسمى. والمسؤولية في
استمراره تقع على الفصيلين الكبيرين معا : لأنهما ربطا المصالحة- وهي
موضوع وقضية داخلية فلسطينية بحتة - بعجلة الولاءات الإقليمية والدولية،
وليس بالعوامل والمؤثرات الفلسطينية وفقا لما تقتضيه متطلبات النضال
الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، وتحقيق الاستقلال والسيادة. وهكذا تبتعد
المصالحة بمرور الوقت، وتتحول إلى سراب كلما ظن المواطنون أن تحقيقها
وشيك، وفي متناول اليد.