لن يكون قيام دولة فلسطينية نهاية المطاف بالنسبة لفلسطينيي الداخل، إذ تتوقع دراسة إسرائيلية أن تزداد أوضاعهم سوءا نتيجة تطلعاتهم الوطنية واعتبار أنفسهم أقلية قومية، مع ما يترتب على ذلك من حقوق سياسية واجتماعية.
فقد خلص المحاضر في الجامعة العبرية البروفيسور ماتي شتاينبرغ -في دراسته الصادرة عن مركز دانئيل للحوار الإستراتيجي في كلية نتانيا- إلى أن المبادرة العربية ستترك آثارا على فلسطينيي الداخل البالغ عددهم 1.2 مليون نسمة (18% من السكان) لأنها غيبتهم عن التسوية.
ويقول في دراسته -التي بعنوان "انعكاسات قيام دولة فلسطينية على علاقات إسرائيل ومواطنيها العرب"- إن أصحاب الوعي السياسي لدى العرب في إسرائيل أمثال المشاركين في "الوثائق الرؤيوية" يسعون اليوم لاستغلال التغييب المذكور وتحويل الإكراه لمحفز أو فرصة بهدف التصدر لقيادة القضية الفلسطينية.
الوثائق الرؤيوية
والوثائق الرؤيوية هي عدة وثائق توافق عليها مثقفون من فلسطينيي الداخل، منها وثيقة حيفا ووثيقة التصور المستقبلي وغيرها، وترى أن العرب في إسرائيل أقلية قومية وتنادي بديمقراطية توافقية تلغي الصفة اليهودية لإسرائيل.
ويشير شتاينبرغ إلى أن بوادر الوثائق الرؤيوية المذكورة قد ظهرت في التسعينيات لدى عزمي بشارة، وهي تفترض أن الظلم اللاحق بالعرب في الموارد والميزانيات في إسرائيل، يعود لاعتبار ذاتها دولة يهودية، وبالتالي فإن تصحيح المعوج لا يتأتي إلا بتغير المبنى العلوي.
ويلاحظ الباحث نشوء مركز ثقل وطني فلسطيني داخل إسرائيل بديلا للمكانة المهمشة لفلسطينيي الداخل، مقابل مركز الثقل الخارجي في الشتات، ولاحقا في الأراضي المحتلة عام 1967، لكنه يشير إلى أن هذه التوجهات لم يتم تبنيها بعد من قبل كافة فلسطينيي الداخل.
جماعة قومية
ويرى شتاينبرغ أن المواطنين العرب في إسرائيل قد حكم عليهم بمواجهة مصائرهم وحدهم بعد إحراز التسوية، رغم صلتهم القوية بقضية اللاجئين والمهجرين وبالقدس، ويقول إن "إقفال الصراع بموجب المبادرة العربية يبرز عدم تسوية مشكلتهم ويطرح للواجهة ملف 48" الذي يطالبون بفتحه.
وليس هذا وحده ما ينتظر الفلسطينيين في إسرائيل، بل إنهم –حسب رأيه- تهددهم عملية إقصاء مزدوجة في سياق التسوية من قبل الدولة الفلسطينية وإسرائيل.
ويضيف أنه على الرغم من أن العرب في إسرائيل يرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، فإنه وقعت قطيعة بينهم وبين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية ومع الدولة الفلسطينية مستقبلا، ويقرر أن جل ما تفعله معهم هو تفادي ما من شأنه الإساءة إلى مكانتهم كالاعتراف بيهودية إسرائيل.
مصيدة الخط الأخضر
ويرى الباحث أن تعزيز البحث عن الهوية الذاتية الجماعية للعرب في إسرائيل -بموجب الوثائق الرؤيوية- يوتر العلاقات بينهم وبين إسرائيل.
ويوضح أن تسوية تلتزم بـ"تنازلات" كبيرة جدا بنظر الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين ستفضي إلى تبنيهم توجهات متشددة، يضيق فيها صدرهم حيال توجهات "تآمرية وكيدية" ضد الطابع اليهودي لإسرائيل، حتى بالنسبة لمن يسميهم "حمائم ديموغرافية" مؤيدين للدولة الفلسطينية حفاظا على يهودية إسرائيل.
وفي هذا الصدد حمل الباحث المحاضر في جامعة تل أبيب يهودا شنهاف بشدة على تسوية الدولتين في كتابه الجديد "مصيدة الخط الأخضر"، وقال إنها غير قابلة للتطبيق لتجاهلها ملف 48.
ويخلص شنهاف إلى القول إنه في ظل الوضع الناشئ اليوم ستتفاقم توجهات الاغتراب وعدم الانتماء لدى المواطنين العرب في علاقاتهم مع إسرائيل في حال تبنوا خطط "الوثائق الرؤيوية".
أوسلو
ويشير شتاينبرغ إلى أنه في المرحلة التي تلت النكسة ساد اعتقاد بأن تسوية القضية الفلسطينية مع إسرائيل ستفضي لتحسين المكانة المدنية للعرب فيها بصفتهم مواطنين.
وتشكل في رأي الباحث اتفاقية أوسلو عام 1993 نقطة تحول نضجت مع صعود اليمين للحكم عقب اغتيال رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين عام 1995، ويتابع "كلما أدرك فلسطينيو الداخل أنهم غيبوا من التسوية تعمق الوعي لديهم بحصول قطيعة بين القضية الوطنية (الخارجية) وبين القضية المدنية (الداخلية). بل تبلورت لدى الكثير من صناع الرأي العام فيهم قناعة بأنه من شأن تسوية الدولتين إساءة مكانتهم المدنية".
ويضيف شتاينبرغ -الذي تتطابق توقعاته هذه مع توجهات الفعاليات السياسية لدى فلسطينيي الداخل- "حازت هذه القناعة على تسارع من اتجاهين مختلفين، المبادرة العربية للسلام أثبتت تغييب فلسطينيي الداخل، فيما تعززت الأصوات داخل إسرائيل الداعية لتشديد هويتها اليهودية حتى بثمن التضحية بقيم ديمقراطية".