العدوان الاسرائيلي
على غزة لن يحقق أهدافه
يظهر التطرف والنزعة لاستخدام القوة من جانب الحكومة الاسرائيلية
اليمينية، ليس فقط في عدوانها الغاشم على قطاع غزة، بل كذلك في
تجميد عملية السلام وفتح الأبواب على مصاريعها أمام تهويد الضفة
الغربية عامة، والقدس على وجه الخصوص. ومن الواضح أن لغة القوة هي
المفضلة لدى هذه الحكومة، أما السلام العادل وحقوق الشعب الفلسطيني
المشروعة كسائر شعوب العالم فهي لا تخطر لرئيسها بنيامين نتنياهو
وحكومته ببال على الإطلاق.
ويلمس المراقب حتى المحايد، بل والاسرائيلي، أن المصطلحات التي
غطت بها الحكومة الاسرائيلية عدوانها على القطاع تمحورت حول "الردع"
العسكري واستعادته، ولم تتضمن ولو إشارة واحدة نحو السلام ولم تقم
أي اعتبار لوجود الشعب الفلسطيني وتطلعاته الوطنية. وتنسى هذه
الحكومة أن ٧٠ في المائة من سكان القطاع هم من اللاجئين الذين شردوا
من ديارهم عام ١٩٤٨ ، وهم يتطلعون إلى الحل الذي نصت عليه قرارات
الشرعية الدولية، والمتمثل بالعودة إلى ديارهم، أو التعويض على من لا
يرغب بالعودة منهم.
والواقع الفلسطيني يظهر توجهين لدى الفصائل الفلسطينية، يأمل
شعبنا في أن يتكاملا وينصهرا في بوتقة المصلحة الفلسطينية العليا، وفي
إطار الوحدة الوطنية ووضع حد للانقسام المرفوض :الأول هو خيار المفاوضات
للوصول إلى الحد الأدنى المقبول من المطالب الوطنية الفلسطينية. وقد
تعاملت اسرائيل مع هذا الخيار باستهانة، ودون مصداقية، خلال السنوات
التسع عشرة التي انقضت على إعلان أوسلو- إلى حد أن حل الدولتين، وهو
ذروة العملية السلمية ومحطتها الأخيرة، أصبح بعيد المنال بسبب تغلغل
المستوطنات وانتشارها في أنحاء الضفة الغربية المحتلة ما يجعل قيام دولة
فلسطينية متصلة ومتواصلة وقابلة للحياة أمرا في حكم المستحيل.
والتوجه الآخر هو الذي تمارسه حماس والحركات الفلسطينية التي تبنت
نهجها. وفي الأساس فإن جمود العملية السلمية وتشبث اسرائيل بالاحتلال
والاستيطان هو، مع عوامل أخرى موضوعية، الذي عزز هذا الخيار. مع أن قادة
من حماس كان لديهم، وربما ما يزال، الاستعداد لقبول حل سلمي ينهي
الاحتلال ويضع حدا للاستيطان.
العدوان على غزة ليس منعزلا عما سبقه وليس مقطوع الصلة بالمواقف
الاسرائيلية المتعنتة والنظرة المتطرفة التي تتجاهل الوجود الفيزيائي
المتجذر للشعب الفلسطيني على أرضه منذ مئات بل آلاف السنين. وأسلوب
الردع واستخدام القوة لم ولن يفلح في تصفية القضية الفلسطينية، وحقوق
الشعب الفلسطيني التي لن تجد اسرائيل قيادة فلسطينية تحترم تطلعات
شعبها تتنازل عنها بأي حال من الأحوال.
وعلى العالم، والأمة العربية والإسلامية خاصة، أن يتحرك لوقف العدوان
الاسرائيلي والمجزرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة. ولن
يتحقق الردع الاسرائيلي من خلال القتل والتدمير الذي تمارسه اسرائيل
الآن في القطاع. لأن الردع الحقيقي يكمن أساسا في سلام عادل مقبول على
الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، التي هي المدى الأوسع لهذا
الشعب الذي قدم التضحيات، وسيقدمها، من أجل الوصول إلى حقوقه
المشروعة. وهو سيصل إليها حتما ، طال الزمان أم قصر