29 نوفمبر 2012 يوم فلسطين
---------------------
القاهرة - العهد - خص د.بركات الفرا، سفيردولة فلسطين لدى جمهورية مصر العربية شبكة العهد للاعلام بهذا المقال :
' في مثل هذا اليوم من عام 1947 كان قرار التقسيم الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية تُقام على 44% من مساحة فلسطين، وأخرى يهودية ووضع خاص للقدس تحت إشراف دولي، ورفض العرب القرار، وقبله اليهود، وأقام اليهود دولتهم على 78% من مساحة فلسطين، وتبقى ما سُمي بالضفة الغربية وقطاع غزة، حيث خضعت الضفة للحكم الأردني وخضع القطاع للحكم المصري، وفي عام 1967 وبعد حرب 5 يونيو/ حزيران إحتلت إسرائيل الضفة والقطاع وتوحدت فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت عام 1982 وإنتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987، وبعد مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991.
تم اتفاق أسلو 13 سبتمبر 1993 وقيام السلطة الوطنية 1994 والدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، لم تستطع أن تتوصل إلى نتائج تحقق السلام الشامل والعادل وتعطي الشعب الفلسطيني حقه في وطنه، بل أمعنت إسرائيل في الاستيطان بالضفة الغربية وإقامة جدار الفصل العنصري وتهويد شامل للقدس وإنتهاك حرمة المسجد الأقصى، بل وصل الحال إلى أن تقول إسرائيل أن أراضي الضفة الغربية هي أراضي متنازع عليها وليس أراضي فلسطين إحتلتها عام 1967، وعندما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة من جانب واحد وحاصرته براً وبحراً وجواً كان هدفها التخلص من القطاع بإلقاء مسئوليته على مصر وخلق إنقسام في الساحة الفلسطينية، الانقسام الذي تحقق في 14 يونيو 2007 بالإنقلاب الحمساوي العسكري في القطاع، هذا الإنقسام المستمر إلى يومنا هذا ويمثل جرح ينزف في الجسم الفلسطيني.
ورغم المحاولات التي بذلتها القيادة الفلسطينية من أجل نيل الحرية والاستقلال من خلال المفاوضات، فقد وصلت الأمور إلى طريق مسدود واستمرت إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة وآخر عدوان الذي شهدناه في 13 نوفمبر 2012 وفي نفس الوقت تقويض السلطة الفلسطينية في الضفة والإبقاء عليها مجرد اسم فهي لا سلطة لها، بل هي مباحة أمام إسرائيل وقتما تشاء، وظلت السلطة مجرد كيان وظيفته دفع رواتب الموظفين وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والبنية التحتية، وإسرائيل تُعربد وتحتل وتعتقل وتُحاصر وتُدمر، ونحن سلطة بلا سلطة، والاحتلال هو صاحب السلطة وصاحب الكلمة الفصل والاحتلال بلا كلفه.
فشلت الرباعية الدولية وفشل حل الدولتين وفشلت مبادرة السلام العربية وقبلهم فشل خطة خارطة الطريق، ونجح الإستيطان والاستعمار الإسرائيلي الصهيوني.
وكل يوم يمر، يتبخر الحلم الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، فالأرض تُنهب وتُقام عليها المستوطنات حتى بلغ عدد المستوطنين في الضفة إلى 500 ألف نسمة وجدار الفصل العنصري حول الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة والطرق الإلتفافية، جعلت من الضفة حالة غريبة لا يمكن تخيلها، أما القدس فلم يتبق منها إلا المسجد الأقصى الذي تحاول إسرائيل هدمه و أو إقتسام باحاته، فالمستوطنات في القدس عزلتها عن محيطها الطبيعي في الضفة الغربية، وأصبحت نسبة السكان العرب لا تزيد عن 40% من أجمالي السكان بعد إخراج قرى عربية كبيرة من محيط بلدية القدس وخطة إسرائيل 2020 ستصبح نسبة الفلسطينيين 20% فقط.
وأمام حالة الضعف الفلسطيني والضعف العربي، فالأمة الفلسطينية منقسمة على ذاتها ومتصارعة، والأمة العربية، دخلت فيما سمي الربيع العربي أو رياح الخماسين أو الشتاء شديد البرودة أو الصيف الملتهب، فكل دولة منشغلة بمشاكلها الداخلية وتلملم جراحها وتجمع شتاتها وتبني كيانها الجديد الذي يحتاج إلى سنوات طوال وجهود مُضنيه، وأمام وضع دولي مأزوم إقتصادياً ومنقسم سياسياً، ولا مناصر للعرب إلا القليل منه، وأمام الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل بلا حدود، ماذا يمكننا أن نفعل للحفاظ على حقنا في وطننا وإنتزاع هذا الحق وإقامة دولتنا المستقلة.
إن الخيارات محدودة، إما الأستمرار في المقاومة السلمية، أو الأستمرار في مفاوضات لا طائل من ورائها، أو المقاومة المسلحة، فالخيارين الأول والثاني جربناهما ومازلنا نسير في رحابهما، وأما الخيار الثالث، ففي ظل الظروف الحالية من الصعب السير فيه، لإنه يحتاج إلى إجماع وطني وشعبي وتكاليفه باهظة في ظل عدم توازن في موازين القوى، بل القوة، على الأقل حالياً وفي مواجهة عدو مجرم.
من هنا، وبناءً على ما تقدم، كان قرار القيادة الفلسطينية التوجه للأمم المتحدة لعرض القضية برمتها عليها من خلال تقديم طلب للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لدولة فلسطين، حيث تقدم الرئيس أبو مازن بطلب لمجلس الأمن في 23/09/2011 بعد خطابه الشهير الذي صفق له الجميع وقوفاً ولم يحصل على موافقة 9 دول ومازال الطلب موجود اً في مجلس الأمن، وبالتالي قررت القيادة أن تذهب هذا العام إلى الأمم المتحدة للحصول على دولة غير عضو 'مراقبه' وهذه الدولة لها العديد من المزايا من بينها ميزتان، الأولى: تصبح أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس أراضي دولة فلسطين تحتلها إسرائيل مخالفة بذلك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وبالتالي أي إجراء اتخذته إسرائيل في أراضي دولة فلسطين هو باطل قانوناً وشرعاً ولا يُعتد به، وبالتالي كل المستوطنات وجدار الفصل وأي تغيير جغرافي أو ديموغرافي باطل ويجب أن يُزال، ومن بينها ما تقوله إسرائيل عن أراضي الضفة والقطاع أنها أراضي متنازع عليها وليس أراضي محتلة.
الثاني: ستصبح دولة فلسطين عضواً في المنظمات والهيئات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة ومن بينها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والفاو ومنظمة الصحة العالمية وغيرها، وبالتالي سنلاحق إسرائيل قضائياً على كافة جرائمها التي أرتكبتها بحق شعبنا منذ أربعينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، وآخرها حربها الإجرامية على قطاع غزة.
وتتعرض القيادة إلى ضغوط مخيفة لأثنائها عن قرارها، فإسرائيل تهدد بعقوبات غير مسبوقة، أقلها أن تحجز أموالنا التي لديها، وأكبرها تصفية للقيادة وفرض قيود على حركة السلكان بالإضافة لحجز الأموال واحتلال المناطق (A)، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدد بإغلاق مكتب المنظمة (منظمة التحرير الفلسطينية) في واشنطن وستوقف المعونات الأمريكية، وتجند إسرائيل وأمريكا كل ما بمقدورها لأفشال المشروع الفلسطيني، ولكن القرار الفلسطيني نهائي ولا رجعة فيه، وسنذهب للأمم المتحدة في 29/11/2012 وسنتقدم بطلبنا، وسنحصل على الدولة غير العضو 'مراقبة' ويرتكز القرار الذي سيقدم للجمعية العامة على قرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار حق العودة 194 لعام 1948، وأن لا مساس بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكافة قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة والرباعية الدولية وإعلانات الاتحاد الأوروبي وقرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية.
إن هذا القرار هو كسر لإرادة إسرائيل، وسيتصدى لمخططات إسرائيل الإستيطانية والتهويدية، بل سيمثل بداية النصر الحقيقي للشعب الفلسطيني في الاستقلال والحرية والعودة وتحرير الأسرى.
الغريب أن بعض الأصوات ترتفع وتقول، أن هذه الخطوة، قفزة في الهواء، ولا معنى لها، وماذا تفيدنا؟ ويشككون فيها، وكأنهم لا يريدون أي نصر فلسطيني، ويحتفظون بواقعنا المر وكأنه حالة يعيش فيها الفلسطيني في حرية وأمن وسلام؟ وعلى كل حال، أتمنى أن يذكر لي معارض واحد ما هو الضرر من حصولنا على دولة مراقبة في الأمم المتحدة، إليس دول عُظمى مرت بهذه الحالة؟
نحن ذاهبون وماضون بعزم وثبات، وسنحصل على ما نريد وسنفشل المخطط الصهيوني بأكمله، بإرادة شعبنا وعزيمته ونضاله وتضحياته وأسراه البواسل، وبكل الدعم من أمتنا العربية والإسلامية والدول الصديقة.
بسم الله الرحمن الرحيم
'أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله'
صدق الله العظيم
أ.د. بركات الفرّا