دولة غير عضو.. خطوة على طريق الاستقلال الوطني
---------------------------------
بموافقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية يكون الشعب الفلسطيني قد فرض، من خلال نضاله وتضحياته، وجوده على الخريطة السياسية الدولية، ومهد لخطوات أخرى من شأنها الضغط في اتجاه إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة في حدود العام ١٩٦٧، متحررة من الاحتلال ونظيفة من الاستيطان.
والتصويت الذي جرى في المنظة الدولية أمس، أثبت مجددا لكل القوى التي تقف ضد حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة أنها قوى معزولة، لا تملك أي تأثير على دول العالم التي تبني سياساتها الخارجية على مبادىء الحرية والكرامة. وأظهر لها أنها تجانب العدل والمنطق والسلوكيات السياسية الأخلاقية، وتنحاز إلى الاحتلال والاستيطان المرفوضين على الصعيد الدولي، واللذين هما من سمات العصور المظلمة، وعهود الاستعمار البغيض البائد.
ويزيد من أهمية هذا الحدث المتميز وقوعه في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو يوم له اعتباره بين الدول التي تؤيد حقوق شعبنا، وخصوصا تلك التي واكبت نضاله عبر العقود الماضية بثبات والتزام راسخ لم تزعزعه التقلبات والهزات السياسية، وتحول الولاءات من الشرق إلى الغرب، أو النفاق والتملق لاسرائيل ومن يدعمها، من أجل مكاسب سياسية أو مادية رخيصة، أو تخوفا من ردود الأفعال الاسرائيلية والأميركية والغربية عامة، في حالة تصويتها إلى جانب الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة.
وكان من المفروض أن تصوت دول كانت السبب في النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني في صالح القرار، لكنها اتخذت مواقف أقل ما يقال فيها أنها تهربت من مسؤوليتها والتزامها الأخلاقي، وينسحب هذا التقييم على دول عارضت القرار أو امتنعت عن التصويت مع أنها تقيم علاقات دبلوماسية بشكل أو بآخر مع السلطة الفلسطينية، وكان اعترافها بفلسطين الدولة سينسجم مع اعترافها الواقعي بها من خلال تبادل التمثيل مع فلسطين فعليا.
وقد كان الشعب الفلسطيني موحدا في دعمه لهذه المبادرة السياسية، وهو ما أظهرته مشاركة مختلف القوى والفصائل الفلسطينية في المسيرات التي جرت في أنحاء الوطن الفلسطيني. وكانت تلك الوحدة موازية للتضامن منقطع النظير الذي تجلى خلال العدوان على قطاع غزة، وانصهار الشعب الفلسطيني في بوتقة الوحدة الوطنية في خط مغاير للواقع السياسي الانقسامي الفلسطيني الراهن، والمرفوض شعبيا.
ويتطلع الشعب الفلسطيني إلى استثمار هذا الاعتراف نصف الكامل بفلسطين كدولة من أجل المزيد من التحركات المماثلة بالانضمام إلى منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وكما كان الموقف الفلسطيني صامدا في عدم الامتثال للضغوط الخارجية التي سعت لمنع هذا التحرك، فالمطلوب أن يستمر الصمود في وجه المحاولات الرامية لمنع دخول فلسطين في منظمات الأمم المتحدة القضائية والاجتماعية والاقتصادية. لأن هذا هو حق الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن التنازل عنه، ولا تملك أي دولة مهما بلغ من ضغوطها أن تجبر الفلسطينيين على التنازل عنه.
يبقى أن تتجسد الوحدة الوطنية والمصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" على قاعدة الانتماء الواحد لفلسطين وللشعب الفلسطيني الواحد، وتبني استراتيجية منسقة تمنح لكل منهما حرية اختيار التكتيك الذي يناسبه ويخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، خصوصا بعد أن تبين أن أيا من الفصيلين لا يمكنه شطب الآخر أو إقصاءه. وعليهما ترك الحكم للشعب من خلال الاقتراع الحر والنزيه في انتخابات شفافة ومراقبة محليا ودوليا، يمكن عبر صندق الاقتراع أن يختار الشعب عبرها حكومته المقبلة، والاستراتيجية التي يتبناها لتحقيق تطلعاته المنشودة، والطريق الذي تختاره الأغلبية للوصول إليها.