نفحة عاطرة.. من ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السّلام
-----------------------------------
نفحة عاطرة.. من ذكرى مولد الإمام الحسين عليه السّلام الخير المتلاحق لم يكن بين ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام وولادة أخيه الإمام الحسين عليه السّلام من بعده إلاّ ستّة أشهر، وهو ما أكّده أكثر المؤرّخين، منهم: محمّد بن طلحة الشافعيّ حيث قال: وفيه ( أي الحسين عليه السّلام ) أنزل الله تعالى: وحَملُه وفِصالُه ثلاثون شهراً (1). وإذا كان الفصال عن الرضاعة بعد سنتين، كما في قوله تعالى: وفِصالُه في عامَين (2)، فإنّه ستبقى مدّة أقلّ الحمل، وهي ستّة أشهر، وهنا قال محبّ الدين الطبريّ: قال ابن الدارع في كتاب ( مواليد أهل البيت عليهم السّلام ): لم يُولَد مولودٌ قطُّ لستّة أشهر فعاش.. إلاّ الحسينَ وعيسى عليهما السّلام (3). استقبال الهدى وُلد الإمام الحسين سلام الله عليه.. فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله في استقباله والسرور يغمره، وقد عمّت البشرى سماواتِ الله تعالى وأرضيه، وذلك في عشيّة الخميس ليلة الجمعة، الثالث من شعبان الخير، في السنة الرابعة من الهجرة النبويّة المباركة. قال الحموينيّ مسنِداً خبرَه إلى ابن عبّاس أنّه قال: لمّا وُلد الحسين بن عليّ أوحى الله عزّوجلّ إلى « مالك » خازن النار أن أخمِدِ النيران على أهلها؛ لكرامة مولود وُلد لمحمّدٍ في دار الدنيا (4). أخذه جدُّه المصطفى الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وضمّه إلى صدره القدسيّ ثمّ قبّله، بعد ذلك أذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، وسمّاه ـ بأمر الله تعالى ـ «حُسَيناً»، وعقّ عنه كبشاً، وقال لأُمّه فاطمة صلوات الله عليها: إحلقي رأسه وتصدّقي بوزنه فضّة (5). وحنّكه صلّى الله عليه وآله بِرِيقه الزكيّ العاطر، وقيل: عقّ عنه بشاةٍ وتصدّق بِزِنة شعره المبارك. خطاب الحقّ ويهبط الوحي الكريم الأمين.. فتنزل آيات مباركات تشمل الحسين حبيبَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما خصّ اللهُ تعالى به أهل بيته الطيّبين، فكان قوله تعالى: • وهُوَ الذي خَلقَ مِن الماءِ بشَرَاً فجَعَلَه نَسَباً وصِهْراً.. (6): قال المفسّرون: أخرج أبو نعيم الحافظ وابن المغازلي الشافعيّ بسندَيهما عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبّاس أنّه قال: نزلت هذه الآية في الخمسة من أَهل العباء. ثمّ قال: المراد من الماء نورُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي كان قبل خلق الخلق، ثمّ أودعه في صُلب آدم عليه السّلام، ثمّ نقله من صلبٍ إلى صلب.. إلى أن وصل صلبَ عبدالمطّلب فصار جزءين: جزء إلى صلب عبدالله فولد النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجزء إلى صلب أبي طالب فولد عليّاً عليه السّلام. ثمّ ألف النكاح فزُوّج عليّ بفاطمة فوَلَدا حسناً وحسيناً عليهم السّلام. وأخرج الثعلبيّ والخوارزميّ عن ابن عبّاس، وكذا عن ابن مسعود وجابر الأنصاريّ والبراء وأنس وأمّ سلمة.. قالوا: نزلت هذه الآية في الخمسة من أهل العباء (7). • وفي ظلّ الآية الشريفة: وجَعَلها كلمةً باقيةً في عَقِبهِ لعلّهم يَرجِعون (
بسند ينتهي إلى الإمام عليّ عليه السّلام فيقول: فينا نزل قول الله عزّوجلّ ( الآية ).. أي جعل الإمامة في عقب الحسين عليه السّلام إلى يوم القيامة (9). • وفي ظلّ الآية المباركة: مَرَجَ البحرَينِ يلتقيان (10)، عن أنس بن مالك قال مبيّناً مَن البحران: عليٌّ وفاطمة. يَخرجُ منهما اللُّؤلؤُ والمَرجان (11)، قال أنس: الحسن والحسين. وعن ابن عبّاس قال: عليٌّ وفاطمة بينهما برزخ ـ النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ، يخرج منهما الحسن والحسين صلوات الله عليهما (12). وتنساب الآيات الشريفة تخصّ الإمام الحسين عليه السّلام مع أهل بيته الأطهار عليهم الصلاة والسّلام، مثل: آية التطهير ـ قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا (13)، وآية القربى أو المودّة ـ قوله تعالى: قُلْ لا أسألُكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى (14)، وآية المباهلة: فمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بعدِ ما جاءَك مِن العلمِ فقلْ تَعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نَبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين (15).. وقد أجمع المفسّرون تقريباً على أنّ فاطمة الزهراء عليها السّلام هي المعنيّة بـ « نساءَنا »، وأن أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام هو المعنيَّ بـ « أنفسَنا »؛ إذ هو نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بصريح الآية الكريمة. أمّا الأبناء في المباهلة « وأبناءَنا » فلم يكونوا إلاّ الحسن والحسين صلوات ربّنا عليهما. الحُجّة البالغة لقد أقرّ المسلمون.. قديماً وحديثاً على مرّ العصور، أنّ الفضل لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا يضاهيه بيت آخر، ثمّ الفضل والكرامة لمَن والاهم. وأمّا مَن جحدهم وهو يعلم، فذلك الظالم المنافق.. وكيف لا وقد سُمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول على مسامع المسلمين ومشاهدهم ـ مرّاتٍ عديدةً ـ فيها: «حسينٌ مني وأنا من حسين». «مَن سرَّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلْينظرْ إلى الحسين». «حسين سبط من الأسباط». «مَن أحبّني فلْيُحبَّ حسيناً». وخاطبه قائلاً: «إنّك سيد ابن سيّد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمّة، إنك حجّة ابن حجّة أبو حُجج تسعة من صلبك، تاسعهم قأئمهم» (16). هذا.. إلى مئات الروايات التي نقلها العامّة والخاصّة، حتّى روى: أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعيّ في ( الإصابة في تمييز الصحابة 333:1 )، والخطيب البغداديّ في ( تاريخ بغداد 141:1 ) بسند ينتهي عن عبيد بن حنين، أنّ عمر بن الخطّاب قد قال للحسين سلام الله عليه في صِغر سنّه: إنّما أنبتَ ما ترى في رؤوسنا اللهُ ثمّ أنتم (17). وربّما كنّى عمر بالشَّعر عن العلم أو الستر والوقاء، فيعني أنّه: ما كان من دين أو علم إلاّ أنبته الله ثمّ أهلُ البيت: النبيّ وآله صلوات الله عليهم، ومن الآل الكرام سيّد الشهداء الإمام السبط.. الحسين بن عليّ صلوات الله عليه.