لماذا يحشرون
الفلسطينيين في الزاوية ؟
ليس من شك في أن العدوان الأخير على غزة قد انتهى على غير ما تمناه
وخطط له القادة الاسرائيليون. وفي كل يوم يأتي دليل جديد على هذا الاستنتاج
الذي يعترف به الإعلام الاسرائيلي نفسه. وإلا فكيف يمكن تفسير المضايقات
التي يتعرض لها المواطنون في الضفة الغربية بما فيها القدس المحاصرة عن
محيطها الفلسطيني، وكانت جريمة قتل الشاب اليافع محمد السلايمة في
الخليل واحدا من تلك الأدلة المتجددة باستمرار؟.
ومن السهل، كما هو معهود، تبرير سفك دماء الفلسطينيين والزعم بأنهم
كانوا يشكلون خطرا على الجنود الاسرائيليين، حتى بالنسبة لشاب في ميعة
الصبا احتفل في نفس يوم مصرعه بعيد ميلاده السابع عشر. لكن الأمر سيختلف
طبعا لو كان القتيل اسرائيليا- مع إدانتنا لسفك الدماء في الجانبين. وفي الحالة
الثانية، كانت اسرائيل ستقيم الدنيا ولا تقعدها، ويتم تنفيذ عمليات انتقامية،
ربما تكون رسمية أوغير رسمية، في غضون ساعات.
والمفارقة أن م ¸ن يطلق ش ¸¸ رارة العنف ويرتكب أعمال القتل بحق
الفلسطينيين يسارع للتحذير من انتفاضة فلسطينية ثالثة، وكأنهم يدفعون
بالشعب الفلسطيني دفعا إلى مثل هذه الانتفاضة لغرض في نفوسهم. وهذا ما
يريدون التسبب في وقوعه، بعد أن سدوا منافذ السلام وأوصلوا المفاوضات إلى
حالة من الجمود، وعملوا بكل طاقتهم على تهويد الأراضي المحتلة بالمستوطنات
وزرعها بما يزيد عن نصف مليون مستوطن.
اسرائيل تحشر الفلسطينيين في الزاوية، من خلال رفضها التفاوض على
سلام عادل مقبول يستند للشرعية الدولية، والانسحاب العسكري والاستيطاني
من أراضي دولة فلسطين المعترف بها من الأمم المتحدة، وعملية الخنق
الاقتصادي للفلسطينيين بسرقة مستحقاتهم الضريبية تحت ذرائع زائفة،
وما تقوم به السلطات الاسرائيلية من اعتداءات على المواطنين في الضفة
الغربية، تشمل الاعتقال وحتى القتل ومواجهة الاحتجاجات السلمية بالقمع
بمختف الوسائل.
القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية أعلنت، مرارا وتكرارا، أنها ضد العنف
على جانبي الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وأن المقاومة التي تعتمدها
هي المقاومة الشعبية السلمية. ومع ذلك تضخم اسرائيل الأحداث وتقوم
بتصعيدها، بشكل مقصود ومتعمد، لتصل إلى مواجهة بين الشعب الفلسطيني
الأعزل وقوات الجيش والأمن الاسرائيلية المدججة بالسلاح، ما سينتج عنه وقوع
ضحايا بين المواطنين الفلسطينيين، واتخاذ ذلك كالعادة ذريعة ومبررا لمزيد
من النشاطات الاستيطانية، وأعمال التهويد في الأراضي الفلسطينية.
والواضح أنه لا يوجد في الجانب الاسرائيلي من يتفهم الحقوق الوطنية
الفلسطينية. فهناك مزايدات بين اليمين المتطرف، الذي يمثله وزير الخارجية
أفيغدور ليبرمان، وما يسمى بيسار الوسط متجسدا في الحزب الجديد الذي
أنشأته وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني. فقد أصرت ليفني على المطالبة
بضم ما أطلقت عليه "الكتل الاستيطانية الكبيرة" لاسرائيل في مخالفة صريحة
لشرعية القرارات الدولية التي اعتبرت الاستيطان كله، ودون استثناء، عقبة
في طريق السلام.
وه ¸ذه السياسة الاسرائيلية، التي تتصف بالصلف والهجومية ضد
الفلسطينيين، مؤشر على توجهاتهم الحقيقية ونواياهم وأطماعهم في
الأراضي الفلسطينية. وبالتالي فهي الوصفة الأكيدة لنسف عملية السلام من
أساسها، والتأسيس لتوترات ومواجهات لم يسع الفلسطينيون نحوها، وإنما
هي نتاج ثقافة الاحتلال والاستيطان التي تسيطر على الحكومة الاسرائيلية،
ويتوجب على المجتمع الدولي وضع حد لها قبل فوات الأوان .