الاستثمار في القدس
مع افتتاح ملتقى القدس للاعمال امس الاول بحضور محلي وعربي ودولي لافت
لبحث آفاق الاستثمار في المدينة المقدسة والمشاريع الممكنة للنهوض بالاقتصاد
الفلسطيني المتردي في المدينة بفعل اج راءات وقيود ومخططات الاحتلال
الاسرائيلي تبرز العديد من التساؤلات حول المشاريع التي يحتاجها المقدسيون
والتي يجب ان تعطى لها اولوية على غيرها من جهة وحول الاستثمار في هذه
المشاريع في ظل القيود الاسرائيلية وامكانية مساهمة المجتمع الدولي في مواجهة
هذه القيود، وحول الدور المفروض عربيا واسلاميا في دعم هذه المشاريع والاسهام
في النهوض بالاقتصاد الفلسطيني.
بداية، وبعيدا عن الجدال في مدى نجاعة وامكانية النهوض باقتصاد مقدسي
فلسطيني في ظل الاحتلال فان السؤال الاهم المطروح هنا هو اذا ما كان لدينا خطة
اقتصادية استراتيجية يشكل الاستثمار احد اعمدتها الرئيسية وتشكل القدس
احد اهم دوائر تطبيق هذه الاستراتيجية باعتبار القدس جزءا لا يتجزأ من الاراضي
المحتلة منذ عام ١٩٦٧ وعاصمة للدولة الفلسطينية التي اعترف المجتمع الدولي
بها وباعتبار ان اهلها المقدسيين جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وبالتالي
فان مثل هذه الاستراتيجية الوطنية تعتبر أمرا ضروريا ليس فقط لحشد الدعم
والتأييد العربي والاسلامي والدولي من اجل تطبيقها في القدس وغيرها من الاراضي
الفلسطينية بل ايضا من اجل تحديد الاحتياجات الحقيقية ومجالات الاستثمار
الناجعة التي يجب ان يتم توجيه جهود الاستثمار نحوها.
ومع احترامنا وتقديرنا للقطاع الخاص الفلسطيني واسهامه في النهوض
بالاقتصاد الوطني الا ان اية خطط اقتصادية واستثمارية يجب الا تكون خاضعة
لشروط الجهات المانحة من جهة او بناء على رؤية قطاع بعينه بعيدا عن الاستراتيجية
الوطنية واضحة المعالم، وهو ما يقتضيه ليس فقط المبادرة والتخطيط وطرح
المشاريع، بل ايضا بدء تنفيذها ومتابعتها مما يخدم المصالح الحقيقية للشعب
الفلسطيني ويحقق اهداف خطته الاستراتيجية.
ومن الواضح ان "الاقتصاد المقدسي" اذا جاز التعبير يعاني من قيود ومعوقات
اهمها الاحتلال ثم التمويل اللازم لمشاريع ترتقي الى مستوى الاحتياجات الحقيقية
للمقدسيين الذين يعانون في مختلف القطاعات وعلى اصعدة عدة في مقدمتها
البطالة، السكن، التعليم، البنية التكنولوجية، غياب الصناعة المحلية والمشاريع
الانتاجية ... الخ من الاشكاليات التي اوصلت الحالة الاقتصادية في المدينة الى
دون لم يسبق له مثيل من الركود والكساد والفقر.
وحتى يكون الاستثمار في القدس ممكنا وناجعا ورافعة للاقتصاد الوطني فلابد
من تضافر الجهود الوطنية والعربية والدولية من جهة ولابد ايضا للقطاع الخاص
الفلسطيني ان يلعب دورا مميزا ومهما ضمن هذا الاطار.
واذا كانت اسرائيل ومنذ عام ١٩٦٧ وحتى اليوم ترتكب انتهاكات جسيمة
للقانون الدولي ولحقوق الانسان الفلسطيني في الاراضي المحتلة عموما وفي القدس
خاصة طالت مختلف جوانب حياته الاجتماعية - الاقتصادية - السياسية فان من
المهم جدا التأكيد مجددا على واجب المجتمع الدولي في نقل رسالة واضحة وحازمة
لاسرائيل بأن القدس جزء لا يتجزأ من الاراضي المحتلة وان كافة الاجراءات والقيود
الاسرائيلية باطلة وغير مشروعة وبالتالي الضغط على اسرائيل لرفع يدها عن الحياة
الاجتماعية - الاقتصادية في القدس وصولا الى انهاء احتلالها للمدينة المقدسة.
وربما يشكل هذا الدور الهام معيار مصداقية اي دعم اجنبي لمشاريع استثمارية
في القدس، حيث لا يعقل ان تواصل اسرائيل سد الطريق امام اي نهوض اقتصادي
فلسطيني وان تدمر كما فعلت مرارا مشاريع تنموية او اقتصادية او مشاريع بنى
تحتية مولتها العديد من دول العالم دون ان يقول العالم كلمة حازمة لاسرائيل.
وعربيا واسلاميا فان المطلوب دعم اي جهد فلسطيني للنهوض بالواقع
الاقتصادي الفلسطيني في المدينة المقدسة وهو دعم سياسي ومالي، فلا يعقل
النهوض باقتصاد وطني بتمويل أجنبي مقيد بسلسلة من الشروط التي قد تتناقض
والمصالح الحقيقية للشعب الفلسطيني.
وفي المحصلة، فاننا ونحن نؤكد على اهمية مؤتمر الاستثمار في القدس نؤكد
ايضا ان نجاحه في التقدم نحو النهوض الاقتصادي مرهون بجهد وطني عام وبخطة
استراتيجية ودعم دولي غير مشروط ومساهمة حقيقية عربية واسلامية.