مسؤولية الحكومة
الاحتجاجات الواسعة والاضرابات التي نفذها المعلمون في مختلف المحافظات
في الضفة الغربية امس بسبب التأخير غير المنطقي في صرف رواتبهم المتآكلة
أصلا وقيام بعض المسؤولين في السلطة الوطنية بتحميل اسرائيل مسؤولية هذه
الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها على نحو خاص القطاع الحكومي بما في
ذلك المعلمين والمواطن العادي على حد سواء ، وكأن اموال الضرائب المستحقة
التي تحتجزها اسرائيل تكفي لصرف الرواتب او للنهوض بالواقع الاقتصادي
المتردي ، كل ذلك يثير العديد من التساؤلات وفي مقدمتها مسؤولية السلطة
الوطنية بشكل عام والحكومة بشكل خاص عن تمكين المواطن الفلسطيني من
توفير لقمة عيشه بكرامة وسط كل الشعارات الكبيرة التي تطلق في الاجواء حول
مشاريع التنمية والاستثمار ووسط ما يطلق من تصريحات او يعقد من مؤتمرات
حول شبكة امان عربية للسلطة الوطنية أو غيره من تعهدات الدول المانحة .
صحيح ان الاحتلال الاسرائيلي يتحمل المسؤولية الاولى والمباشرة عن المأساة
الفلسطينية المتواصلة منذ عقود، وصحيح ايضا ان اسرائيل تحاول الضغط
على السلطة الوطنية بحجز المستحقات الضريبية ، ولكن من الصحيح ايضا ان
لدينا حكومة تعمل في نطاق اتفاقيات اوسلو وهي مسؤولة مسؤولية مباشرة
امام المواطن الفلسطيني على الاقل عن توفير حد ادنى من العيش الكريم لا ان
تتكرر شهريا مهزلة الرواتب التي تدرك الحكومة انها بالكاد تكفي لسد رمق
عائلات موظفي القطاع العام .
ولا يهم المواطن الفلسطيني الذي يعاني اصلا واقع الاحتلال وواقع القيود
والاجراءات الناجمة عن اتفاق اوسلو بما في ذلك اتفاق باريس الاقتصادي ، لا
يهمه كثيرا كل الشعارات التي ترفع او الصور التي تلتقط عند افتتاح مشروع هنا
او هناك او الحديث عن استتباب الامن والامان في هذه المحافظة او تلك طالما لا
يجد رب الاسرة الحد الادنى من مقومات اعالة أسرته.
ولهذا نقول ان الحكومة مطالبة بحل ازمة الرواتب بشكل جذري وتوفير الحد
الادني للعيش بكرامة او اعلان عجزها عن ذلك . واذا كان العرب قد تعهدوا للسلطة
الوطنية بشبكة امان واذا كان المانحون قد تعهدوا ايضا بالمساعدات فان من
واجب الحكومة وضع النقاط على الحروف امام المواطن الفلسطيني ، فإما ان نكون
شعبا وسلطة ملتزمين باتفاقيات توفر الحد الادنى من الحياة الكريمة، أو أن هذه
التعهدات العربية والدولية مجرد حبر على ورق وعندها يتوجب على الحكومة
والسلطة الوطنية اعادة النظر في آليات تعاملها بهذا الشأن ونقل رسالة واضحة
للمجتمع الدولي وللاشقاء العرب بأن شعبنا لا يقبل الاستمرار على هذا النحو ولا
يقبل المواطن ان يشعر مع بداية كل شهر اننا نستجدي هنا وهناك لتوفير دفعة
من الرواتب . فهل هذا هو واقع السلام الذي وُعد به الشعب الفلسطيني ؟!
وتدرك الحكومة قبل غيرها ان رواتب القطاع العام لا تكفي اصلا لتوفير الحد
الادنى من العيش الكريم كما ان الحد الادنى للاجور الذي أقرته هذه الحكومة
مع القطاع الخاص وجزء من النقابات العامة لا يكفي لاعالة اسرة متوسطة اسبوعا
واحدا فكيف يمكن الاستمرار على هذا النحو دون ان يلمس الفلسطيني ان
هناك اية نافذة أمل في تحسن الوضع طالما استمر العمل بنفس الآليات ونفس
المواقف واذا كان الاحتلال ومستوطنوه بكل ممارساتهم واعتداءاتهم يشكلون
الهم الرئيسي والألم الرئيسي للمواطن الفلسطيني الذي بات غير قادر في ظل
الازمة المالية أيضا على توفير لقمة العيش، فان السؤال الذي يطرح امام السلطة
الوطنية وامام الحكومة برئيسها ووزرائها هو : الى متى يمكن تحمل كل هذه
المعاناة ؟ والى متى يحرم المعلم ، مربي الأجيال من الشعور بالامن والامان ويحرم
المواطن من الاحساس بعيش كريم ؟
واذا كانت الازمة المالية كما يقول بعض المسؤولين في مواجهة الاحتجاجات
الواسعة هي مسؤولية الاحتلال فان السؤال هو : ما الذي فعلته او تفعله الحكومة
في مواجهة هذا الاحتلال وفي تأمين العيش الكريم لمواطنيها ؟
تساؤلات برسم الاجابة مطروحة أمام السلطة الوطنية رئاسة وحكومة وفصائل عمل وطني .