سراب المصالحة
ودوامة المصالح
تفاءل الفلسطينيون خيرا بعد أن أدى العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة
إلى نوع من التقارب بين حركتي فتح وحماس اللتين تسيطران على الضفة الغربية
وقطاع غزة على التوالي. لاسيما بعد أن صدرت تصريحات عن قادة حماس بشرت،
في حينه، بأن إمكانية المصالحة أصبحت واردة أكثر من أي وقت مضى.
ومن جانبه فقد كان خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، الذي طلب
خلاله الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو، متسما بالإطار الوطني الشامل حيث تبنى
إدانة قتل الأطفال والمدنيين الغزيين، وأشار إلى كونه رئيسا لكل الفلسطينيين،
ما أثار غضب الحكومة الاسرائيلية- إلى جانب ما أعقب ذلك الخطاب مباشرة من
اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين، وتصويتها إيجابيا على الطلب
الذي تقدم به الرئيس عباس.
وكان من المفروض أن يؤدي التأثير المشترك لانتصار المقاومة في غزة،
مع الانتصار السياسي الذي تحقق في الأمم المتحدة، إلى مزيد من التقارب بن
الحركتين ما كان سيؤدي إلى تقريب وقت إنجاز المصالحة الوطنية، لكن هذا التوقع
لم يتحقق حتى الآن، على الرغم من الوعود والتصريحات المبشرة التي يبدو أنها
ذهبت أدراج الرياح، دونما أي سبب سوى المصالح الفئوية الضيقة، وانعدام القدرة
على صياغة استراتيجية مشتركة يتفق عليها الجانبان، وتعطي لكل فصيل منهما
دوره الذي يستطيع القيام به، ولا يستطيع الفصيل الآخر، أو لا يرغب لسبب ما
في أداء هذا الدور.
خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أو خطاباته بالمجمل، وإن كانت
تدعو لتحقيق المصالحة، فإن بعض عناصرها من الممكن تصور إنجازها مثل إعادة
هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بما يكفل إشراك فصائل أخرى، منها حماس
بطبيعة الحال. لكن هناك عناصر أخرى قد تدخل في باب التعجيز مثل تغيير
النهج السياسي من خلال اعتماد المقاومة المسلحة، والتخلي عن المفاوضات كخيار
لتحقيق التطلعات الفلسطينية. وهذا متطلب قد يكون مبالغا فيه في ظل التطورات
التي مرت بالحركة الفلسطينية والاتفاقيات المعقودة مع الجانب الاسرائيلي
بضمانات دولية، وارتباطات مع الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع دول عربية
مفصلية في الصراع العربي - الاسرائيلي، وتحديدا مصر والأردن.
خطاب مشعل إذن فتح بابا على أمل بالمصالحة، لكنه أغلق بابا آخر حين اشترط
المقاومة المسلحة أساسا لهذه المصالحة. وبغض النظر عن واقعية هذا الأساس
في ما يتعلق بالضفة الغربية والسلطة الفلسطينية والظروف والمستجدات التي
طرأت في أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة عام ٢٠٠٧ ، فإن من شأن انتظار تحققه
أو تحقيقه، إن أمكن ذلك، أن يؤجل المصالحة زمنا يمكن قياسه بالسنوات، في
الوقت الذي يطالب فيه الشعب الفلسطيني بسرعة إنجاز هذ الاستحقاق الوطني،
انطلاقا من الواقع الراهن، والقابل للتغيير في الوقت نفسه. لكن الشرط الأهم لأي
تغيير هو الالتقاء على الانتماء المشترك لفلسطين والشعب الفلسطيني، والقضية
الفلسطينية التي يقول الفصيلان إنهما يعملان من أجلها، كل بطريقته الخاصة.
هناك تقصير واضح من الجانبين في العمل الفعلي والمخلص لتحقيق المصالحة
المستندة إلى الواقع. وهذا التقصير هو الذي حول المصالحة إلى سراب، كلما
اقتربنا منه يبتعد عنا. وهكذا يدخل الشعب الفلسطيني في كارثة سببها دوامة
المصالح الذاتية الفئوية التي تطمس الأبصار عن المصلحة الوطنية العليا، وتلحق
بها النكسات تلو النكسات، وتتسبب في تراجعات للمسيرة النضالية الفلسطينية.
والمطلوب هو نوع من المراجعة الواعية والمتبصرة للمواقف الفصائلية من موضوع
المصالحة الوطنية، لاستخلاص الدروس والعبر، والانطلاق نحو الطريق العريض نحو
جمع الكلمة، والتئام الشمل الفلسطيني على أسس راسخة وواقعية ومخلصة.