عند الحاجز الاخير في سهل الزبداني في ريف دمشق وفي أحد الأيام الباردة اخبرني احد المعارضين بشدة للنظام السوري والمؤمنين بالعمل المسلح ضده أن عنصر من الجيش النظامي استوقفه و بدا على لهجته أنه من أهل اللاذقية يسأله كالعادة عن هويته وطريقه وغيرها من الاسئلة الاعتيادية , يخبرني المعارض الذي انتشر الدفء في سيارته وأمسك سيجارته و لم يشعلها بعد أن يدي الشاب كانت ترتعدان من السقيع وأن وجهه الشاحب النحيل تختبئ في تفاصيله الريبة و البساطة كما يبدو عليه الجهل في جغرافية مكان تواجده , و قبل أن يتابع طريقه عاد المجند و قرع زجاج سيارته الدافئة فقام بفتحها لتلسعه نسمة هواء باردة ثلجية يختلط معها كلمات العنصر الراجية ( أخي بيلتقى معك سيجارة ) , تردد المعارض ثم و من منطلق الشفقة اخرج علبة سجائره فوجده ا فارغة , نظر العنصر الى العلبة بخيبة و قال له (مو مشكلة أخي مالنا نصيب ) , يخبرني المعارض ان الانسان مهما كانت مواقفه و توجهاته لا يمكن الا و ان يتعاطف مع ذاك الشاب فقدم له السيجارة الاخيرة و التي كان يشرع في تدخينها , كانت فرحة العنصر لاتوصف وكأنه حصل على ثروة و قال له بالحرف ( اخي الله يعوض عليك بدل هالسيجارة بكل شي قلبك بيتمناه ) , يخبرني ايضا أن جسمه رجف بشدة بعد تلك الدعوة فهذا المجند لم يكن يعرف ان ما كان يتمناه هو هزيمته و في أحيان أخرى قد يكون موته , أقسم لي أن دموعه لم تتوقف وهو يتابع طريقه و يقول في باطنه العميق ( الله يلعن الحرب... الله يلعن الحرب ...الله يلعن الحرب )
فياض منصو