ليبرمان يواصل
تصريحاته الاستفزازية
بعد أن نسبت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية للرئيس محمود عباس قوله بأنه
سيحل السلطة الفلسطينية ويسلم المفاتيح لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين
نتنياهو ليحمل أعباء الضفة الغربية، إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات السلمية،
وهو ما نفاه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات
قائلا إن تصريح أبو مازن تم إخراجه عن سياقه، طلع وزير الخارجية الاسرائيلي
السابق أفيغدور ليبرمان على العالم بتصريح مستفز جديد يضاف إلى تصريحاته
التي أدانها العالم كله، مستهدفا كالعادة الرئيس عباس. وهذه المرة ادعى أن
المفاوضات السلمية لن تبدأ ولن تنجح ،على حد قوله، إلا بعد تنحي أبو مازن عن
رئاسة السلطة الفلسطينية على حد قوله.
وكان ليبرمان كما يبدو يعلق على تهديد الرئيس أبو مازن الذي في جوهره
حمل نتنياهو المسؤولية عن جمود عملية السلام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه
هو : هل يتوقع الوزير الاسرائيلي السابق والمتطرف أن يجد مواطنا فلسطينيا،
ناهيك عن زعيم فلسطيني، يمكن أن يقبل بالتحادث مع ليبرمان، وهو يعرف
برنامجه وسياسته المناوئة لفلسطينيي الداخل خاصة، وللشعب الفلسطيني
عامة؟ ليبرمان الذي يقيم في مستوطنة بالضفة الغربية لا يمكن له أن يقبل حلا
يعيد المستوطنات كلها للسيطرة الفلسطينية- وهذا هو الأساس لأي حل سلمي
مقبول على الفلسطينيين في حده الأدنى.
لقد وصل المفاوض الفلسطيني إلى الحد الأقصى من المرونة من خلال القبول
بنسبة ٢٢ في المائة من أرض فلسطين التاريخية لتكون المساحة التي ستقوم
عليها الدولة الفلسطينية، مع أن هناك قرار التقسيم الذي يمنح الفلسطينيين
نصف مساحة فلسطين الانتدابية تقريبا. ومع ذلك فإن الحكومات الاسرائيلية
المتعاقبة منذ الاحتلال لديها أطماع واضحة بابتلاع أكبر نسبة ممكنة من الضفة
الغربية المحتلة وملئها بالمستوطنات، هذا فضلا عن تهويد القدس في نطاق
عملية ممنهجة ومتواصلة وبما يقطع الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية متصلة
وقابلة للحياة، وفقا لرؤية حل الدولتين التي تحولت إلى سراب مستحيل التحقيق
بسبب التوسع الاستيطاني المستمر، والمخططات المعلنة مؤخرا لإقامة مستوطنة
في منطقة إي ١.
هكذا أصبح أبو مازن الهدف المفضل للمتطرف ليبرمان الذي يعترض أساسا
على المطالبة بدولة فلسطينية في حدود ١٩٦٧ تكون القدس عاصمة لها. وبحسب
هذه العقلية المتطرفة والاستيطانية، فإن مفهوم الدولة الفلسطينية هو محور
الاعتراض كائنا من يكون من يعمل من أجل تجسيد هذا المفهوم. بل إن النضال
السياسي الذي يقودة أبو مازن بعيدا عن أسلوب العسكرة والكفاح المسلح، ومن
خلال المفاوضات واللجوء للمنظمات الدولية، أصبح يُعرف لدى ليبرمان وزمرته
بالإرهاب السياسي- على حد وصفه.
فما الذي يريده ليبرمان في نهاية المطاف؟ وما مواصفات الحل الذي يرتئيه؟
من الواضح أن رؤيته لهذا الحل تتمثل في تكريس وتوسيع الاستيطان، واستمرار
الاحتلال العسكري الذي يحمي المشروع الاستيطاني تحت غطاء كيان كرتوني
ممزق إلى أشلاء، ليس له أي سمة من سمات الدولة المستقلة القابلة للحياة.
وعلى ليبرمان ومن يوافقه في تطرفه أن يبحث عن زعيم، أو حتى مواطن
فلسطيني عادي، يمكنه مجرد ابتلاع هذه الرؤية المقيتة. ولن يجد مثل هذا
الفلسطيني إلا في خيالاته وأوهامه. وعليه أن يدرك أن هجومه المتكرر على الرئيس
عباس سيزيد في مصداقية أبو مازن، خصوصا وأن الفلسطينيين جميعا يعرفون من
هو ليبرمان، ويعرفون منطلقاته الحزبية المتطرفة، ليس فقط تجاه أبو مازن بل أيضا
تجاه الشعب الفلسطيني ككل، سواء داخل الخط الأخضر أو خارج ذلك الخط.