"عنقاء" فتح تنهض
من تحت ركام الإنقلاب
بقلم الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
سجن جلبوع المركزي
------------------------
بعد ست سنوات عجاف، حرم خلالها أبناء وجماهير حركة فتح من ممارسة حقهم
الطبيعي في المشاركة وإحياء المناسبات الوطنية؛ وتحديداً بعد الإستيلاء العسكري
لحركة حماس على السلطة في قطاع غزة، تأتي نافذة الإنطلاقة ال ) 48 ( لحركة فتح لتؤكد
للجميع بأن تضييق الخناق على ممارسة العمل السياسي لا يمكن بأي حال من الأحوال
أن تحسم الساحة الفلسطينية لأي جهة كانت؛ مهما اشتدت غطرستها؛ لأن تجليات
العمل الوطني الفلسطيني لا تخضع لشروط الأيديولوجيا، وإنما تتبع لمنبر التعددية
السياسية بكل ألوان طيفها.
كما ثبت أن انتهاج سياسة الحرمان وكبت الحريات العامة والخاصة، لا تنسجم
وطبيعة الشعب الفلسطيني النابذة للتسلط والطغيان، والتواقة للحرية والوحدة، لأن
مصادرة الحق العام والفردي هي أساليب قميئة من مخلفات الدكتاتوريات الآفلة،
والتداول السلمي للسلطة والإنفتاح الحضاري على الآخر، وغيرها من القيم الإنسانية،
هي من ثمار الديمقراطيات الصاعدة التي تليق بنا كأبناء للشعب الفلسطيني، وتوائم
تضحياتنا الجسام.
ومن هذه المؤشرات الواضحة على عظمة هذا الشعب؛ زحفه على الساحة المخصصة
للمهرجان قبل ثلاثة أيام من الموعد المقرر، وافتراشه الأرض والتحافه السماء بمجرد منحه
فرصة صغيرة للتعبير عن رأيه، وبدا من خلف هذا التفاعل وكأنه يريد حماية الفرصة
حتى لا تضيع منه مثلما ضاعت أشياء أخرى؛ فتجربة السنوات الأخيرة كانت مليئة بالوعود
الفارغة، وغزة المكلومة يتفاقم ألمها حرباً وحصاراً و " ظلم ذوي القربى أشد مضاضة ".
إلا أن قلوب أبناء غزة العامرة بحب فلسطين، فاضت لتملأ شوارع القطاع بالأمل والحياة،
ولتفشل مجدداً كل مخططات الإحتلال التي طالما تمنت أن يبتلع البحر هذه البقعة
الصامدة، وفي يوم الإنطلاقة توشحت عروس فلسطين بلون الثورة والذهب، وأعلنت
على مسمع ومرأى العالم أجمع استعدادها الدائم للتضحية في سبيل وطنها وحقوقها،
وأظهرت توقها العارم للحرية والحياة الكريمة، وقالت كلمتها الحاسمة؛ بأن فلسطين
وحدة جغرافية واحدة، وأن الدولة التي ستولد من رحم هذا الوطن، لا انفصام ولا انقسام
بين أطرافها، وأن الرهان على تقهقر واندثار حصان ثورتنا المعاصرة ما هو إلا وهم
معشعش في رؤوس أصحابه.
خرجت غزة الى الشوارع بشيبها وشبانها، بعجائزها وصباياها، بنسائها وأطفالها، بل
بكل ما فيها من حياة انسانية، لتجدد العهد والبيعة لروح الشهيد الخالد ياسر عرفات
وكافة شهداء فلسطين، ولسان حالها يقول: لن يكتمل حلمي إلا بك يا قدس، ولن ينتصر
الحكم العسكري على الحكم المدني، ولن يعلو صوت الموت فوق صوت الحياة، وكل طرق
القطاع تؤدي الى بيت الوحدة الوطنية إلا طريق الأيديولوجيا العمياء، وبيارق الوطن غير
بيارق الأحزاب، لأنها سمراء، حمراء، بيضاء، خضراء، ويشكل اجتماعها بيرق فلسطين.
كما أن الوفاء العظيم الذي أظهرته حركة فتح وجماهيرها في القطاع الحبيب، يستوجب
من القيادة التنظيمية للحركة إعادة تقييم الأمور بشكل دقيق ومسؤول، ومبادلة هذا
الوفاء بالإنتصار له من خلال، استنهاض الواقع التنظيمي على أرضية إنصاف هذا الكادر
المهمش، وترتيب البيت الداخلي وفق نظرية توزيع المهام لا مركزيتها، ومنح الفرصة
المتساوية لكل من يستحقها على أسس تنظيمية وديمقراطية.
وبصراحة ، فإن المشهد الإنتمائي لهذا الوطن وقضيته العادلة، والذي شدنا بكل قوة
عِبر الشاشة الصغيرة على مدار الأيام الثلاثة، بعث فينا مشاعر الإنتفاضة الأولى، وأعاد
لأذهاننا أبهى وأجمل صور العمل الشعبي، الذي طالما عكس الصورة الحقيقية عن بساطة
ونبل أخلاق شعبنا الفلسطيني، فشكراً لغزة التي حررتنا خلال هذه الفترة من قيود السجن
وإساء الإنقسام، وهنيئاً لعنقاء فتح التي نهضت من تحت ركام الإنقلاب.