الدور المصري
في المصالحة الوطنية
أثبت مهرجان فتح في قطاع غزة والحشود التي شاركت فيه من مختلف
الفصائل، وقبل ذلك مهرجان انطلاق حماس في مدن الضفة الغربية أن الشعب
الفلسطيني بجماهيره، على اختلاف توجهاتها السياسية والفصائلية، قد
ضاق ذرعا بحالة الانقسام المأساوية، وأن مطلبه الأهم هو إنهاء الانقسام
واستعادة الوحدة الفلسطينية التي فرقتها المصالح الفئوية وال ®ولاءات
الإقليمية والدولية.
والمتغيرات التي حدثت خلال العامين الماضيين، سواء على صعيد الربيع
العربي أم الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة وأوروبا،
وما أسفرت عنه من تقليص للمساعدات التي تقدمها الدول الشقيقة والمانحة
للشعب الفلسطيني، كان لها أن تعمق شعور الانتماء المشترك لدى كل
الفصائل والأحزاب الفلسطينية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني،
وأن هذا الانتماء يسمو فوق المصالح الفصائلية، ويتجاوز التحالفات والارتباطات
الإقليمية والدولية التي تتغير بتغير الظروف السياسية والاقتصادية، وتتطلب
مواجهتها صفا واحدا ورأيا واحدا، ولا نبالغ إن قلنا واستراتيجية واحدة أيضا.
ومن حسن الحظ أن الشعب الفلسطيني بمجموعه هو وحدة متجانسة،
لا تفرق بينها الخلافات المذهبية أو الطائفية. وهكذا فإن انقسامه الراهن
مرده إلى الضغوط الخارجية، والخلاف في التكتيك وليس في الهدف الواحد،
وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين
الفلسطينيين إلى ديارهم.
وكان لمصر الشقيقة دور مركزي في التوصل إلى اتفاق القاهرة العام
الماضي لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية. ومع أن الاتفاق شمل
كافة البنود التي تكفل تحقيق المصالحة إلا أن الظروف والتطورات المحلية
والعربية وضعت العراقيل أمام تنفيذ تلك البنود. وكان من المفروض أن تقوم
لجنة الانتخابات المركزية بمهمة تعديل قاعدة بيانات الناخبين في القطاع،
لكن حماس كان لها رأي في هذا الخصوص لسنا بصدد الخوض فيه. وما يمكن
قوله هو أنه مع النية الحسنة والإخلاص في الجهود يمكن حل كافة الإشكالات،
والبدء فعليا في تنفيذ اتفاق القاهرة دون أي تأخير,
والاجتماع المقرر للرئيس المصري محمد مرسي مع كل من الرئيس أبو مازن،
ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، سيكرس إحياء الجهود
المصرية الخيرة لرأب الصدع بين الفصيلين الفلسطينيين، وإزالة العقبات
التي تحول دون تفعيل الاتفاق. كما أن هذا الاجتماع يؤكد على حيادية
مصر ووقوفها على مسافة واحدة من كل من فتح وحماس. وهذا الموقف
الموضوعي والنزيه من جانب الحكومة المصرية سيضع حدا للتقولات من جانب
بعض الأوساط المغرضة التي تريد استغلال الملف الفلسطيني وجعله ورقة
في صراعاتها الحزبية. فالقضية الفلسطينية مقدسة، وتسمو على المصالح
والصراعات على المناصب وكراسي الحكم، فلسطينيا وعربيا ودوليا.
والمأمول أن ينجح الرئيس المصري في التقريب بين المواقف الفلسطينية،
وفي إنجاح دور مصر الشقيقة التي هي بمثابة العمق السياسي والاستراتيجي
لفلسطين خاصة، والأمة العربية على وجه العموم. وما نأمله من كافة القوى
السياسية في أرض الكنانة هو الارتفاع إلى مستوى التحديات التاريخية
والمصيرية التي تهدد الأمة كلها، والتعامل مع قضية الشعب الفلسطيني بروح
من التعاطف والنزاهة والأخوة التي ميزت العلاقات بين الشعبين الشقيقين عبر
الزمن، ولم يكن فيها للاستغلال والانتهازية السياسية أي دور أو نصيب.