اين العمال في ساحات الاعتصام بالعراق؟هيفاء زنكنة
May 17, 2013
على مدار سنوات الاحتلال، منذ 2003 وحتى اليوم، والعمال، في العراق، يضربون ويعتصمون. مطالبين بحقوقهم وما يوفر لهم اساسيات العيش وحفظ كرامتهم. كان القاسم المشترك فى كل التظاهرات العمالية هو الحق فى عمل دائم وأجر عادل. وهي مطالب نبيلة تهدف في مضمونها الاوسع الى وضع حد للاستغلال وتحقيق المساواة وتقليم سياسة الحكومات المتعاقبة في الخصخصة. وقد شهد البلد مئات التظاهرات الاحتجاجية والمطلبية اما من قبل عمال ومستخدمي شركات صغيرة بشكل فردي او نقابات كبيرة او اتحادات مهنية بشكل جماعي منظم الى حد ما. والعراق لايخلو من النقابات والاتحادات، من بينها اتحاد نقابات عمال النفط وعمال الكهرباء ونقابات المحامين والصحافيين والمعلمين والاطباء والصيادلة واتحاد الادباء.
واجه العمال العديد من المشاكل والتهديدات في ظل الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، الهادفة، غالبا، الى تفتيت قضايا العمال وعزلهم عن بقية ابناء الشعب باعتبار ان قضاياهم اقتصادية بحتة لاتمس عموم الشعب بل شريحة واحدة منه. وقد لجأت الى اساليب متعددة لتفرقة العمال والمهنيين من بينها الطائفية والعرقية والتمييز في اماكن العمل وعلى مستوى القطاعات واحيانا تأليب العمال على بعضهم البعض . وجرى إستخدام توقف الكثير من المعامل والمصالح التجارية والخدمات بسبب إنعدام الأمن وغياب الكهرباء أو الوقود بعد الإحتلال ضد العمال والموظفين، كونهم لا ينتجون، وكأنهم مسؤولون عن إدارات الدولة الفاشلة وتوقف أي عمل منتج. مع ان نفس العمال والمزارعين والموظفين كانوا قد أوقفوا العراق على قدميه، بدون الريع النفطي، أثناء سنوات الحصار، أي بعشر معشار الدخل الوطني الذي يهدر اليوم. ويضاف الى ذلك تشجيع الغش والفساد لدى ضعفاء النفس في مؤسسات الدولة، وتجنيدهم لمصلحة المفسدين الكبار أو جشع أحزاب العملية السياسية، وإستخداما لبنايات المعامل المتوقفة ولمستخدميها لشتى الأغراض. زد على ذلك مضاعفة اعداد المستخدمين الصوريين في ذات المؤسسات أو في دوائر الدولة، شراء لقاعدة إجتماعية لاحزاب السلطة ومحاصصاتها.
إنها سياسة تماثل سياسة فرق تسد الاستعمارية لأنها تؤدي الى تحويل المطالب العمالية الى حالات خاصة، جزئية، تمس شريحة مجتمعية محددة. حينئذ يصبح بالامكان تقزيمها والقضاء عليها، كل على حدة، خاصة حين يقبل بعض المتظاهرين والمحتجين باقل القليل تحت وطأة الحاجة للعمل والرغبة فقط فى الحد الادنى من الحياة بكرامة.
ان عدم ربط نضال العمال والمهنيين بالنضال الوطني الاشمل للشعب سيؤدي الى خسارة الجميع ازاء حكومات طائفية، فاسدة، مسلحة ومرتبطة بالاستعمار الامريكي وفق معاهدة الاطار الاستراتيجي، وبايران بحكم الولاء الطائفي. وقد لاحظنا ان نقابات عمال النفط، وهي الأكبر والأهم من ناحية ارتباطها بما يمس شريان الدولة الاقتصادي، حاولت وعلى لسان مسؤوليها الربط ما بين مصلحة العمال والنضال ضد المحتل وسياسته في الهيمنة على ثروة الشعب النفطية بالاضافة الى توفير فرص العمل لليد العاملة العراقية المهددة بالبطالة ازاء غزو العمال الاجانب. غير ان هذا الوعي بضرورة الجمع ما بين المطالب الاقتصادية لطبقة او شريحة مجتمعية معينة والمصلحة الوطنية العامة لم يتوفر للجميع، خاصة بعد ان تم في السنوات العشر الاخيرة توجيه ضربة قوية الى القطاع العمالي من خلال تطبيق سياسة الخصخصة وما تبعها من عمليات تفكيك منظم لوسائل الإنتاج والصناعة الوطنية المهمة لصالح شركات اجنبية ورجال اعمال وساسة يحتكرون عقود الاستيراد. ولايزال السائد هو التظاهر والاعتصام امام شركة أو وزارة او كتابة عريضة موجهة الى رئيس الوزراء أو الوزير المسؤول بصدد مطلب محدد. وهو موقف بعض الاتحادات والنقابات المهنية ومثالها نقابة الصحافيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب، الذي لايزال ينطبق عليه وصف فهد، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، على الرغم من مرور عقود على كتابته. قال فهد، في مقال نشره عام 1943 حول دور الكتاب والصحافيين في تعزيز النظام الديمقراطي في العراق: ‘لكن الصحف المحلية والأدباء الذين يحبرون مقالاتها قلما فكروا، بالناحية العملية، بامكانية الجماهير الشعبية على النضال في سبيل حقوقها الديمقراطية. لذلك فانهم لم يوجهوا نضال الجماهير ولم يرشدوها، بل اكتفوا بمعاتبة’ الجهات المسؤولة ‘وبالفات نظرها والتوسل اليها بوجوب اعطاء الشعب بعض حقه لأن شعوبا اخرى من شعوب العالم قد نالت قسطا وافيا من الحرية’.
لايزال السائد، على الرغم من الغضب الشعبي، هو تفتيت القضايا وعدم الجمع فيما بينها باعتبارها هما وطنيا عاما يستحق النضال الجماهيري الموحد. وحتى حين يرتكب النظام المجازر، وآخرها مجزرة الحويجة التي قتلت فيها قوات النظام، بوحشية منهجية، متظاهرين ومعتصمين، بقيت المجزرة وكأنها حدث يمس ‘الآخر’ ولايتطلب غير موجة جديدة من الاكاذيب حول تشكيل لجان تحقيق. اكاذيب وصفتها سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية قائلة: ‘لن ينخدع شعب العراق بتحقيق يستهدف ذر الرماد في العيون في وقائع القتل في الحويجة’
وفي الوقت الذي تستمر فيه اعتصامات خمس محافظات منذ 25 كانون الاول 2012، مطالبة باطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وتغيير القوانين التي حولت ابناء الشعب الى متهمين بالارهاب حسب الطلب، هناك تظاهرات واحتجاجات في محافظات أخرى تطالب بالخدمات وتحسين ظروف العمل، وآخرها تظاهر المئات من منتسبي الشركة العامة لصناعة الاسمدة الكيمياوية، في محافظة البصرة، صباح الخميس الماضي.
ان لكل من هذه التظاهرات والاعتصامات هدفا نبيلا واهمية قصوى في مواجهة النظام الطائفي الفاسد، وستؤدي نتيجة تراكمها الكمي الى التغيير، على الرغم من خفوت نبض المشروع الوطني الموحد، حاليا. هذا هو رابط الحركات الجماهيرية الشعبية، مهما بدت منفصلة الحلقات، بداية. ما نحتاجه هو الوعي بهذه الحالة اولا والعمل على توفير الظروف لربط حلقات النضال وتشكيل اللجان المشتركة بين المتظاهرين والتوصل الى الحد الادنى من المشترك بينهم (الخدمات كحاجة انسانية يومية مثلا) اينما كانوا ومهما كانت مطالبهم.
ان حال العراق ليس فريدا من نوعه، فقد مرت الثورة المصرية، مثلا، بهذه التجربة في مرحلة النضال والتي يشرحها المحامي العمالي هيثم محمدين في ندوة مركز الدراسات الاشتراكية، قائلا: ‘أثناء الموجة الثورية الأخيرة في نوفمبر تساءل الشباب الثوري: أين العمال؟ تماما كما تساءل العمال أثناء موجة إضراباتهم في سبتمبر: أين شباب الثورة؟ ما نحتاجه للفترة القادمة هو تشكيل لجان، وروابط تضامن تشمل الشباب الثوري، والقيادات العمالية لربط المصنع بالميدان. ما أشبه حالنا الآن بحال الحركة العمالية، والطلابية في الأربعينات، حين كان العمال يكونون نقابات، ويضربون لانتزاع حقوقهم من رجال الأعمال الأوروبيين، فيقمع الجيش الانكليزي حركتهم، ويخرج الطلبة من الجامعات مطالبين بجلاء الاحتلال، فيعاملهم الجيش الانكليزي بالمثل. تشكلت حينها اللجنة العليا للطلبة والعمال، وكان هدفها إزاحة كل صور الاحتلال، والاستغلال عن مصر. نحتاج الآن إلى توحيد العمال، والشباب في لجان مماثلة لإسقاط النظام’.
‘ كاتبة من العراق