وَكَأَنَّ القَمَرَ اكْتَمَلَ / للاستاذة الشاعرة رواء بستاني
-------------------------------------
مُضُيٌّ تَراجَعَتْ خُطُواتُهُ إلى الوَراء وَاعْلَنَتْ عَنْ كَفِّ المَسيرِ، فاسْتَودَعَتْ الآهات ُ بِبَراءةِ الأَمْسً الضَّريرِ ،انْهَمَرَتْ أَدْمُعُ عَيْنَيْها حتَّى كُبَّتْ في نيرانِ حُرْقَةِ الرُّوحِ المُتَعَسَّرَةِ........
فها هُوُ القَمَرُ قَدْ حانَ لَهُ وَأَنْ يَكْتَمِلَ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ إمارةً لا يَضيعْ في إثْرِها حَتَّى لا يَسْتَقْطِبْ بِزاوِيَةِ النِّسْيانِ !!
حَلَقاتٌ مَفْقُودَةٌ تُجيدُ الهَرَعَ فَتُمْسِكُ بِعَصا النِّسْيانِ ،تَغيبُ عَنْ حُلُمٍ رَسَمَتْهُ لِنَفْسِها كَأُحْجِيَةٍ ضوضاءَ ، فَتَتَجَزَأُ إِلى شَظايا عَتيرَةَ المَدى .
وَلَكِنَّ وَلِحُسْنِ الحَظِّ وَطيبِ سَيْرورَتِها تَلْتَقي بِسُلَّمٍ خَشَبِيٍّ مُتَفاقِمِ الفَقَراتِ إِلاَّ أَنَّها سارَعَتْ وَإِنْ تَتَشَبَثَ بِهِ عَلَّها تُدَارِكُ خَطَرَ المَوْتِ المُحَتَّمِ...
انْشَغَلَتْ مَشاغِلُ الأنَّاتِ وَارْتَحَلَتْ إلى عالَمِ السّعادة, حَفَّزَتْ لَهُ كُلَّ أَغْوارِها, حاضِرَها وَمُسْتَقْبَلَها فَتُقْلَبُ إِلى عَيْنِ البَسْمَةِ المَفْقودَة ...
حانَ وَقْتُ الصُّمودِ وَحانَتْ وَإِيَّاه ساعاتُ خَلَجاتِ العَقْلِ النَّابِض ِ بِدِماءِ الحَسْرَةِ والتَّأْنيبِ فَسَخَطِ الفَرارِ ، يَسْتَعِدّانِ بتِرْحابِ طُقوسِ الحَظِّ الجديد...
سَلَّمَتْ نَفْسَها لَهُ ، شاطَرَتْهُ القُبُلاتِ في حين الْتَحَمَتْ أَجْسادُهُما بِصَمْغِ القَفَزاتِ النَّائِيَة.
حَظٌ جَعَلَتْ مِنْهُ العُلا لِيُزيلَ بِلُطْفٍ وَبِرِقَةٍ كَلِماتِ ذاكَ العُنْفُوانِ وَكَلِماتِهِ النَّابِية؛ يَسْتَجْمِعانِ قِواهُما حَتَّى يَتَخَطَيا سَوِيَّةً تِلْكَ الحُفُراتِ .
اعتامَت بتلك الرُّؤيةَ واسعة َالمدى خنادقَ من الويلات والحسرات غير المتوقعه حيثُ لم تدرِ ان رؤيتَها هذه ما هي الاَّ ضيقا وحشرجة تستقبلُ بِهما حياة َالعذابِ التي لم تُميطُها صرخةُ قلبِها الآملِ الباكي لتُجددَ عهدَها الذي مضى من جديد .....
استنجَدَت بماضٍ ليوقفَ مسيرَ الآتي الاّ انه أبى وبإصرارٍ فتركَها وحيدةً تُزفِرُ التَّأوهاتِ القاتمةَ الخانقةَ فتنبثقُ منها الصرخاتُ المدميةُ بالعويلِ ......
ماذا عساها أَن تفعلَ ؟ أتعلنُ استسلامَها رافعة رايتَها البيضاء ؟ ام تسكنُ بيت الصمتِ تشكو الاهاتِ دونما كلام ؟ ام عليها استجماعُ قواها من جديد لتبحثَ لها عن مخرجٍ ينقذُها من مآزقها العليلةِ ؟
اسئلةٌ كثيرةٌ راوَدَت واختلجَت فكرَ ليلى في غسقِ يومٍ حزين ٍ...
كدماتٌ شتى استشاطَت من غضبِ الايام ِوانهمَرَت برفقتِها ادمعُ مطبات العتاب , سُمُّ القرى استجمعَ زادَهُ ورحلَ الى قممِ اعالي الجبالِ الجبارةِ التي استشهَدت بالرواسي الغاديات لتطفئَ لهيبَ العذلِ والملامِ ...
وبما ان شفاعةَ الايامِ ماتت وانتصرِت بِغلبةِ اللَّغط ِالفوضوي العارمِ أّرادت بها الاشتعالَ كوقودٍ لتنيرَ دروبَ الظلامِ التي استقرَّت بيبابِ حظِها الزاخرِ بالإجحامِ والإجحاف ......
أّ تُمخُر بعبابِ بحارِ الهمِّ ؟! ام تَستبسلُ فتنهضُ لمواجهةِ وطيسِ مُعتركِها الآزي ؟؟
شعلاتُ الصرامةِ تقدحُ بِها نحوَ نهايةٍ غير المتوقعةِ ...
تأتي ليلى حجرتَها فتلقي بجسدِها النحيلِ الدَّنفِ على سريرِها الرخاميِّ الذي بُنِيَت عليهِ قلاعُ رياعها وزفراتُ انفاسِها الثكلى وزمجراتُ امالها الخائبة , تتنفس الصعداءَ لتريحَ بالَها الباكي المتألمَ متأوهةً ثلاثا وتغط بمساراتِ دروبِ تبانتِها الغامضة ِ...
رامت الإيراءَ به حتى يندفعَ بها نحوَ العتوِّ اللاملحوظ وبصمت وسكون استبانت قدراتُها على رفع علمِ الشموخ والعزِ الذي ترفلُ بلباسِه منذ ازلٍ بعيدٍ فتظهر به الحسنَ والرقي الملحوظ ....
نعم نعم , هو ذاك الامل !! شرَّع الاحكامَ والقوانينَ ودوَّنها بصفحاتِ روحِها التي تَغَشَّاها يوما دُعابة البؤس والاستسلام !! فلبثَت مكانَها بلا حراكٍ حتى أتى اليها ومد يده لإنقاذها من هفوات الشحذ اللاواعي ورام بها الى أعالي السماء تستجديه بحرقةِ الالم والحزن والتواني .....
رمقاتٌ ضعيفة ٌأنابت عن الاستسلامِ وسخَّرتِ القوى الدفاعيَّة لتضربَ بها أَعناق الخصومِ وتَزهقُ بها الباطل .
بطحاءٌ هي جوارحُها حين يبُسَت من قهرِ الزمان وانقطعت عنها مياه الامان لتصبحَ قفرةً مكفهرةً ولكنَّ عزيمتَها نبعٌ من ينابيعَ العزَّ والصمودِ فاستعانت بها لتروي بيداءَها وبهذا العقلِ المدبِّرِ والرؤيةِ فائقةِ المدى استطاعت أَن تمنحَ نفسَها أريجا من املٍ بعد مسيرتِها التي استدامت ستا وعشرين سنةً في خمولِ احلامها فتجدُ أَنَّ الحقيقةَ مغطيةٌ بأتربةٍ تتعددُ انواعَها ومزاياها , فتبدأُ بإزالتِها شيئًا فشيئًا والفرحةُ تخطُّ فاها ولكنْ سرعانَ ما اتت ريحٌ صرصر عاتية لتقذفَ بها الى الوراءِ فتدوسُها جحافلُ الوحشيةِ والعذابِ من جديد ...