كتابات خالده من سفر الرحلات (ج 4 )
ججو متي موميكا كندا
(( لا تبصق في أرضي فهي معجونة بدماء الشهداء ))
ما من دولة في العالم على مر العصور قديما وحديثا قدمت نذورا وقرابين وشهداء في سبيل معتقداتها او كرامتها وسيادتها بقدر تضحيات وشهداء بلاد الرافدين وارض السواد والمقدسات قديما وحديثا عبر قرون عديده مضت وحتى يومنا هذا .
والتاريخ العريق الموغل في القدم منذ حمورابي ونبوخذنصر ونادر شاه وغزوات المغول والتتر وهجوم هولاكو على بغداد ثم الحروب الحديثه في القرن العشرين قبل استقلال العراق عام 1921 وبعده.
وخير شاهد على ذلك كتب التاريخ والمتاحف و التنقيبات وحفريات الاثار في المدن التاريخيه وما كشف عنه من مقابر ومجناّت امتلأت بها الاضرحه والدهاليز في بطون الارض في كل انحاء البلاد بطولها وعرضها شمالا وجنوبا فكان العراقيون يسترخصون حياتهم ثمنا للحريه والعيش الرغيد والاستماته في الدفاع عن ارضهم ومقدساتهم وهذا مثبت في تاريخ بلداننا وفي مكتبات العراق القديمه وفي ارشيف كثير من المتاحف الاجنبيه والكنائس والاديره .
عزيزي القاريء :
ما اثارني للكتابه عن هذا الموضوع هو مكانة ورفعة وعظمة الشهيد الذي يقدم نفسه قربانا لدينه ولمبادئه ومعتقداته ومن ثم كرامة بلده وسيادته وحماية حدوده وقديما قالوا بان الرجل يدفع حياته ثمنا لاسباب ثلاث من اجل (( دينه وشرفه وماله )) وكل هذه الاسباب تصب في خانة الوطن والارض والعرض.
لو استعرضنا شهداء المسيحيه قديما لابد من الاشاره الى الشهيد الاول في المسيحيه وهو مار ( اغناطيوس ) الذي احرقه الرومان انتقاما منه لوقوفه بوجه الوثنيه وعبادة الاصنام وطغاة العصر أنذاك.
ثم نعرج الى الاربعين شهيدا يتقدمهم ملكهم ابن سنحاريب شيخ الشهداء وشفيع القديسين مار بهنام واخته ساره ذلك الحدث الذي اصبح رمزا للشهاده وللمسيحيه وللايمان .
ان دير ماربهنام الشهيد ليس فقط بناء شامخ وصومعه وكنيسه تجثو على مرتفع يؤمه الزائرون من كل حدب وصوب وانما اصبح ماثرة تاريخيه ودينيه ورمزا وعنوانا للمسيحيه الحقه وللشهاده بكل ما تحميه من معان .
عزيزي القاريء:
نعرج الان الى مربط الفرس كل زائر او سائح يروم زيارة مديني الجميله بخديدا لابد وان يخطط قبل الزياره في برنامج الاماكن التي سيزورها حتما ولايمكن اغفال مأثر واحد من مأثرها بدءا بكنائسها الاثريه السبعه والكنائس الثلاثه الجديده والتي انجزت وفي قيد الانجاز ثم يتوج زيارته لدير مار بهنام الشهيد ودير نقرتايه او مار قرياقوس او دير الشيخ متي على جبل مقلوب هذا الدير الذي ظلمه الجغرافيون والمصنفون ونسوا او تناسوا ادراجه ضمن عجائب الدنيا السبع .
اذا دير مار بهنام الشهيد مفروضة زيارته على كل سائح غديدي او غير ذلك حتى وان رأه عشرات المرات لايملّ لابد وان يتشوّق اليه ويطلع على كل التغييرات التي حصلت في هندسته وتجديد صحنه وصيانته وحماية أثاره ...ولابد للزائر من تقديم النذور كل على طريقته الخاصه وعندما تدخل باب الدير الرئيسي يستقبلك كاهن يقوم بخدمة الدير وجمع من المؤمنين لخدمة وارشاد السواح وعلى رأسهم فضيلة الخوري شربيل عيسو طيب الذكر الكل يستقبلك بوجه بشوش وبسمه وبرحابة صدر فكان لابد من زيارة ابينا العزيز شربيل وما اجمل اللقاء به والاستئناس بحديثه الشيق وبعد فراق طويل حظينا بلقائه لننال من بركات الدير بفضله ادامه الله وعضّد ساعديه لخدمة الدير .
عزيزي القاريء:
وانت تدخل بيتا من بيوت الله وتتبّرك بنعمته لتتعلم ماهي الشهاده في سبيل الدين والمعتقد فهذه هي فرصتك التي لايمكن الاستغناء عنها او اغفالها ولابد من القيام بها ..
كانت زيارتي للدير أخر ايام رحلتي وما اجمل ان تتّوج و تختتم سفرتك بزيارة هذا الضريح العظيم ورمسه وانت تدخل ابوابه وغرفه وتنزل في القباب والدهاليز ثم تنتقل الى قبر الشهيد المسجّى في احدى القبب في باطن الارض حيث يوارى هناك مثلثي الرحمه الخوري افرام عبدال وفرنسيس جحولا رحمهما الله تثمينا لجهودهما وخدمتها الطويله في هذا الدير اضافة الى الاب المرحوم بطرس شيتو طيب الله ثراه .
قبل ان نختتم زيارتنا للدير ونحن نهّم بالخروج من القبو حيث نحن مجموعة من الاهل والاقارب وقبل ان نقفل عائدين لفت انتباهي صبي كان يرافقنا ضمن العائله لايتجاوز عمره 13 عاما صدقوني اخوتي القراء وهو يناديني (( عمو عمو انت تخرج من الدير وذاهب الى كندا الا تريد حفنة من تراب الضريح لتتبرك به انت وعائلتك هناك ؟ ))
هذا الصبي اثارني وهزّني ووقفت متعجبا فالتفت اليه واذا به يحمل قنينة فارغه من المياه المعدنيه وقد ملأها من تراب القبو فحضنته وقلت له بارك الله بك ياولدي وبارك الله بعائلتك ومعلميك والكهنه الذين علموك وبكل من لقنك هذه الاخلاق المسيحيه سواء في مدرستك او في بيتك او بالكنيسه صدقني ما دامت المسيحيه تبنى بكم وتقف شامخه لانكم جدرانها واسيجتها وحماتها فنحن بخير ...اعطني قنينة التراب يا ولدي العزيز انثره في بيتي بكندا واوزعه على اولادي واحفادي وكل من يزورني اثناء العوده ليتبركوا بتراب هذا الملك الجليل .
هذا هو سر عظمة المسيحيه اخوتي القراء وهذا سر عظمة المسيح ربنا فلنتعلم دروسا من ابنائنا قبل ان نعلمهم لانهم ابناء الكنيسه ونورها فلنفرح بهذه الاجيال خدمة للرب.