قراءة في كتاب ..
التواصل بالتراث في شعر عز الدين المناصرة
مؤسس الكنعنة في الشعر الفلسطيني الحديث
عرض وتعليق د.إدريس جرادات
مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي –وال0599206664 الايميل sanabelssc1@yahoo.com
أهدى الباحث صادق عيسى الخضور كتابه:" التواصل بالتراث في شعر عز الدين المناصرة للدكتور إدريس جرادات كاتب هذه السطور بتاريخ 12/12/2012م أثناء زيارته للمعهد الوطني للتدريب التربوي في البيرة موسوما :"إهداء خاص للصديق العزيز الأكاديمي الباحث د.إدريس جرادات ،إذ يواصل جهوده لحماية التراث الشعبي وتوثيقه مع خالص التحيات وأطيب الأمنيات.
صدر الكتاب بحجم 150 صفحة من القطع المتوسط ، حمل الغلاف لوحة فنية، وصدر عن دار مجدلاوي للنشر والتوزيع في عمان-الأردن سنة 2007م، والكتاب أطروحة ماجستير نوقشت في جامعة الخليل بتاريخ 27/4/2003م بإشراف د.نادر قاسم.
أشار الباحث في مقدمة الكتاب :"أن التراث يحظى باهتمام الدارسين المحدثين نظرا لما يتفرع عنه من وشائج وعلاقات تلامس روافد الفكر والثقافة تظل حاضرة مهما تباعد الزمن –حضورا يتسم بالفاعلية لا بالسلبية ، ولعل تجربة التواصل مع التراث اصدق تعبير عن أن التراث لا ينضب. صفحة 9.
الدراسة حول الشاعر عز الدين المناصرة واحد من الشعراء الفلسطينيين العرب ابن بلدة بني نعيم شرقي الخليل مسقط رأس الباحث أيضا،من الذين عرفوا كيف ينهلون من التراث بطريقة تروي عطش الباحثين والقراء بإبداع بين حداثة المعاصرة وروح الأصالة الكامنة في التراث.
وأما الدوافع التي جعلت الباحث يقوم بالدراسة ، حيث الشاعر عز الدين المناصرة شاعر معارض صلب لاتفاقات أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ولأن التراث يشكل خصوصية في ظل المحاولات الهادفة إلى تجريدهم من حقوقهم التاريخية وكذلك دافع والدفاع عن الهوية الوطنية بقوة وقال:" أنا فلسطيني من أصل فلسطيني".صفحة 10.
استعرض د.إدريس جرادات محتوى الكتاب وجاءت الدراسة في أربعة فصول ، عالج الفصل الأول التواصل بالتراث ، وشمل العوامل الفنية ، والثقافية ، والسياسية، والاجتماعية، والقومية،
والنفسية،وإحساس الشاعر المعاصر بالطاقات الفنية المختزنة في التراث ، وكل معطيات التراث مرتبطة ببعضها بعضا، في وجدان الأمة بقيم روحية وفكرية ووجدانية معينة.صفحة 17 ، وكذلك نزوح الشاعر نحو تحقيق توازن بين التعبير عن ذاتيته من جهة ، وما يحيط بها من جهة أخرى ، وإضفاء نوع من الموضوعية والدرامية على عاطفته الغنائية ، ويظهر في بروز القصص والحوار وتعدد الأصوات وتوظيف النماذج الجاهزة في الشعر الحديث، وساهم مع الشاعر المصري "أمل دنقل" في توظيف الموروث العربي. صفحة 19.
كما تطرق الفصل إلى العوامل الثقافية وكشف كنوز التراث وبيان جوانبه المختلفة المحيطة بها العلاقة بين وعي الذات العربية وبين العودة إلى التراث بنظرة تفسيرية تحاول الكشف عن الشمولية الكامنة فيه ن وكذلك التأثير بالاتجاهات الداعية إلى الارتباط بالموروث ولعل الشاعر ت.س. اليوس " هو رائد الشعراء الأوروبيين من الذين قادوا هذا التوجه ، ويرى المناصرة إلى ضرورة الرجوع إلى التجارب العربية جنبا إلى جنب مع التجارب العالمية ، وانه لا حدود فاصلة في القضايا الإنسانية.
وعن العوامل السياسية والاجتماعية بحكم مشاركة الشاعر عز الدين المناصرة في الثورة الفلسطينية من 1964-1994م ، وحمل السلاح دفاعا عن شعبه واقترن الفعل بالإبداع ووُصِفَ من أعدائه بأنه شاعر محرض.-صفحة 25.
كذلك العوامل القومية في شعر المناصرة والشعور بالوحدة في لحظات المعاناة يدفع نحو الجماعة ويأتي موقفه في سياق الموقف الجمعي للأمة ، وتعقيدات الحياة المعاصرة وظروفها النفسية تدفع نحو العودة إلى عالم قديم شهد البساطة وعبر عنها، ويرى الباحث أن الشاعر المناصرة نهل من عدة ثقافات :العربية التراثية، الثقافة الإسلامية، والفرنسية والانجلوسكسونية.
كما استعرض د.إدريس جرادات الفصل الثاني من الكتاب وهو حول المصادر التراثية في شعر المناصرة ومنها أساطين الأولين:
لأمي ضفائر سوداء كليل الخليل
تنثرها على ظهرها عندما يكون عاديا
كانت تضمني إلى صدرها في ليالي الشتاء
أما هذه الأيام
فغنها تخاف مني
لأنها قرأت مسرحيات سوفوكليس كلها-صفحة 37.
ووظف كذلك المثل الشعبي بقوله:
خبي قرشك للأيام الصعبة
خبي قلبك في خابية صلبة
خبي قلبك لإمرأة من زوان بلادك
اغلب نسوان بلادي ،قمح فتان.صفحة 41.
وكذلك وظف التراث الديني بقوله:
وما رميت غذ رميت ، ولكن الله رمى
حجرا في وجه الجندي.صفحة 56.
واستعرض الباحث جوانب التراث الأدبي في شعر المناصرة بقوله:"التواصل به قوة دافعة تثري التجارب الأدبية للشعراء من خلال
إعادة الأفكار والمضامين وفق رؤى جديدة ، وأن تجربة إمرىء القيس شهدت بعثا جديدا في نصوص المناصرة في الشعور بالاغتراب والضياع والوحدة والمعاناة. صفحة 72. بقوله:
وأقول اليوم خمرا وغدا.. يا غرباء
أسكنوا يا غرباء
ارقصوا يا غرباء
فوراء الثأر منا ، خطباء-صفحة 75.
أما عن مجال التراث التاريخي يرى الباحث أن محور الكنعنة يبرز بشكل واضح في الامتداد التاريخي لقضية فلسطين، ويعتبر المناصرة مؤسس الكنعنة في الشعر الفلسطيني الحديث ، وسمى إحدى مجموعاته الشعرية :"كنعانياذا" ن وسبغ نفسه باسم شاعر كنعان وسليل شجرة كنعان حفيد البحر الميت ، والعنب الدابوقي ينسب إلى الكروم الكنعانية ، بقوله:
عنب دابوقي
من لبن الدالية سأرضع أحرف جدي
من حقل الآرامي
من حجر رخام في مقلع جفرا الكنعانية
عنب دابوقي. صفحة 87.
أما الفصل الثالث تناول فيه الباحث التناص ، واتخاذ توظيف العناصر التراثية في شعر المناصرة ، وعن التناص يرى الباحث أنه يتضمن نص ما أو نصوصا أو أفكارا أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين أو التلميح أو الإشارة إليه أو ما شابه ذلك المقروء الثقافي لدى الأديب ومنها : وما رميت غذ رميت ، ولكن الله رمى
حجرا في وجه الجندي.صفحة 111.
كما شمل أنماط التوظيف لعناصر المصادر التراثية ، والشخصية التراثية لامرئ القيس وقصة المهاجرين والأنصار ,أبو محجن الثقفي.
في الفصل الرابع من الكتاب أشار الباحث إلى الشكل الفني لقصائد المناصرة المتصلة بالتراث كتفصيح العامية كي يثقفن القصيدة ويستخدم مفردات اللهجة المحكية المتداولة:
ماذا أقول للكنعانيات الواقفات تحت أشجار الحور
أقول تمتطين حميركن نحو معاقل البدو الأثرية
تبحثن قرب الأثافي عن أوراق الخبيزة في زمن العصملي.صفحة 123.
أما التكرار والإيقاع الداخلي للقصائد مكملا الدور الذي يؤديه كل من الوزن والقافية ، وإعادة كلمات معينة يوحي بمدى أهمية ما تكتسبه تلك الكلمات من دلالات:
حيث تحتشد الأسئلة
سأرتبها واحدا واحدا واحدا-مكررة ثلاث مرات-
فوق تل الوضوح.صفحة 126.
هدف التكرير تعميق الإطار الدعوي الكنعاني ، وعن وجود حالة جمعية من العمل والانتماء ، للمكان باستخدام ضمير الجماعة ، والانتماء من خلالها.صفحة127.
تقنية السرد الحكائي بتوظيف الحكاية داخل النص لإضافة البعد الدرامي للقصيدة ، لكن يرى الباحث صادق الخضور أن الشاعر عز الدين المناصرة لم يعط القصيدة الدرامية المتكاملة ، وعن التصوير
الفني والصورة الشعرية يكثر من التشبيهات ، واستخدام أدواته-قصيدة زرقاء اليمامة-:
لكن جفرا الكنعانية
قلت لنا إن الأشجار بشر
على الطرقات
كجيش يحتشد تحت الأمطار.صفحة 135.
بعد هذا العرض السريع يمكن الإشارة إلى الملاحظات الآتية والتي أتفق فيها الملاحظات التي وردت في الخاتمة:
*شكل المناصرة أنموذج التواصل بالتراث .
*المصادر التراثية رصيد لا ينضب من الطاقات التعبيرية.
*الثقافة الموسوعية للشاعر عز الدين المناصرة.
*التضمين والمخزون التراثي عامل مهم في إثراء النص.
*يا حبذا أظهر الباحث الحضور الإنساني والفكري الإيديولوجي للشاعر المناصرة.
*معاناة الشاعر من التهميش والإقصاء لمعارضته اتفاقية أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية-معارض صلب.
*التزم الباحث بمنهجية مُشْرِفه د.نادر قاسم في أطروحة الدكتوراه حول التواصل بالتراث في الرواية الفلسطينية الحديثة المقدمة إلى الجامعة الأردنية في العام 1994م.
*لم يتعرض الباحث إلى لهجة منطقة بني نعيم مسقط رأس الشاعر والتي تميل إلى الإمالة في الكلام.
*لم تظهر شخصية الباحث بشكل مناسب أثناء تحليله في الدراسة لمعرفتي به كما كنت أتوقع منه .
هذه الملاحظات لا تقلل من أهمية الكتاب وكلنا أمل أن يلقي هذا الكتاب وجميع إصدارات المؤلف الدعم والتشجيع من قبل الباحثين والدارسين وطلبة العلم والجامعات والمهتمين بالتراث الشعبي سواء بالاقتناء أو الدراسة والتحليل لأنه جهد مشكور قام به الباحث بدراسة التواصل بالتراث في شعر عز الدين المناصرة.
كل الاحترام للباحث على جهوده في إثراء المكتبة المحلية بالكتب النادرة وبمثل هذا النوع من الدراسات .
*عرض وتعليق د.إدريس جرادات-مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي سعير-الخليل
جوال0599206664 الايميل sanabelssc1@yahoo.com