أطفال
سورية يسألون بأي ذنب يقتلون؟
هيفاء زنكنة
August 23, 2013
حتى من على مبعدة آلاف الاميال، الجريمة مروعة. حتى لمجرد النظر الى الصور وافلام اليوتيوب واجهزة الاعلام، الجريمة لايحتملها العقل. الجريمة لا تغتفر بكل المقاييس، فكيف اذا كان بين الضحايا اطفال؟ كيف يمكن ان ننسى صورتهم وهم يتراكضون باكين، مذعورين، باحثين عن صدر يحتضنهم ،عن هواء، عن يد رحيمة، عن صوت يطمئنهم؟ أين سنخزن صور الاطفال بسنوات اعمارهم القليلة وهم قتلى؟
نكاد، لهول رؤية الاطفال بعيون مفتوحة على سعتها ذعرا واختناقا، ان نختنق معهم. لاننا، مثلهم، بعيوننا المفتوحة على سعتها، لم نعد نرى غير الموت. موت الناس والاماكن. التاريخ والحاضر. وموت الاطفال وخنقهم هو الأقسى والابشع. من الذي أباح قتل اطفالنا؟ من الذي يستهدفهم؟ هل تجدي الاتهامات ونحن نرى صفوف الضحايا من الاطفال والكبار تمتد وتمتد لتتجاوز افق الاحلام الذي طالما منينا النفس به. ان نبنيه من اجل اطفالنا. وهاهم اطفالنا. اجسادهم البريئة مسجاة على تربة لم يعودوا يعرفون لمن ستعود. ولن يهتموا لأن قلوبهم الصغيرة توقفت عن النبض، عن الحياة، عن المبالاة.
آخرون هم الذين سيهتمون. امهات وآباء سينوحون، طوال العمر، على حرمانهم، بسمة اطفالهم، سيخنقهم الغاز مدى الحياة تاركا في القلب والعقل غصة، يجرجونها مثل صخرة ثقيلة، اينما رحلوا. وستكون الدنيا، في عيونهم، خرابا. آخرون هم الذين سيهتمون. ساسة ومسؤولون ومقاتلون. سيصرحون، جميعا، لأجهزة الاعلام، معبرين عن أسفهم وحزنهم. عن استنكارهم. كل طرف يتهم الطرف الآخر بارتكاب الجريمة بقتل الاطفال.
آخرون هم الذين سيهتمون. دول أجنبية تستنكر وتتوعد. حكومات تستعرض حرصها على الحياة الانسانية وهي التي طالما ساهمت بتجفيف الحياة في أماكن عديدة. حكومات عربية تحمل تابوت جامعتها العربية وتتمشى بين اجساد المختنقين بالغاز والمدفونين تحت ركام ما كان يسمى مدنا سورية.
كيف يمكن ان يصدق الاطفال قصص الكبار عن الحرص والحب والوطن، وهم يقتلون باسم الحرص والحب والوطن؟ كيف يصدقون الكبار وهم يهجرون قسرا، ويجبرون على ترك بيوتهم ومدارسهم، ويشهدون، احيانا، مقتل والديهم واحبائهم؟ بل ويقاتلون؟ أي حياة سيعيشون، اذا ما عاشوا؟ هل سيعرفون لغير العنف والانتقام مذاقا؟ هل سينشدون غير تراتيل الموت والموت؟ أي مستقبل سيبنون وهم غير قادرين على التنفس؟
طالما كررنا، مختنقين بعبراتنا: اطفال بغداد الحزينة
يسألون عن أي ذنب يقتلون؟ وقبلها قلنا وقلوبنا معجونة بامل التحريرالمرتجى: اطفال
فلسطين يسألون عن أي ذنب يقتلون؟ وهاهي قصيدة فاروق جويدة، ذاتها، نكررها من جديد: فهل من حدود يتوقف عندها القتل؟ هل للكبار من امل اذا ما قتل الكبار الاطفال؟
منذ يوم الاربعاء، والاتهامات والمحاججات والمهاترات، تهطل مثل عاصفة غبار اسود على رؤوسنا. المتاجرة بعدد الضحايا، في سوق النخاسة السياسية، تدنس صمت الموت الذي يلف اطفالنا. هل وصل عدد الضحايا، الخط الاحمر ‘ الذي حذر الرئيس الامريكي نظام بشار الاسد من تجاوزه؟ تساءل احدهم. هل ستتحرك امريكا لتتدخل ‘ انسانيا’، أم انها تعلمت من درسها في
العراق، وقررت الوقوف جانبا اما لتتفرج او لتجد من يسدي العون ‘ الانساني’ بالنيابة؟
فرنسا وتركيا تناديان بالتدخل وبريطانيا توزع بعض ‘ المساعدات’.
السعودية وقطر في جانب وايران وحزب الله وروسيا والصين في جانب آخر.
اسرائيل تضحك.
السؤال الاول الذي يتبادله الجميع، مرارا وتكرارا، مثل كرة الطاولة، هو: من المسؤول عن ارتكاب الجريمة الشنعاء؟ مما يدفعنا الى السؤال الثاني : من المسؤول عن حماية ارواح المواطنين، ان وجد ‘ الارهاب’ ؟ بانتظار جواب ما، اضيف الى عدد الضحايا، خلال يومين، مئة مواطن آخر. وكما حدث في العراق، على مدى عشرة اعوام، لكثرة الضحايا، غابت الاسماء. غاب الانسان وبقيت الارقام في مزاد شره لا يشبعه غير المزيد من الضحايا.
هل المنشود، الآن، هو المطالبة بالتسليح او المزيد من السلاح، لتحقق كل الاطراف التوازن في ملحمة الموت هذه؟ هل هذا هو معنى ‘ التدخل الانساني’، وهو التدخل الذي نعرف مذاقه جيدا، في العراق ؟ انه، لمن لا يعرف، اليورانيوم المنضب، والفسفور الابيض، والنظام الطائفي والفساد والموت البطيء المستمر. انه التدخل الوحشي باقسى صوره. وضحاياه لا يزالون يتساقطون، يوميا، بمعدل يماثل الضحايا في سورية. فعن اي تدخل يجري الحديث؟ عن أية مساعدة، اذا كانت هناك نية للمساعدة الانسانية حقا؟
يقول توني بن، عضو البرلمان البريطاني السابق واليساري الناشط من اجل السلام وضد سياسة بلده الخارجية في غزو العراق وافغانستان، ان الدول التي تبذل اقصى جهدها لشن الحروب بامكانها، لو صرفت الجهد ذاته من اجل السلام، ان تحقق السلام في جميع انحاء العالم.
طامتنا الكبرى، ان ارادة الشعوب العربية هي غير ارادة الحكام، والهوة ما بين الاثنين تزداد اتساعا بازدياد التدخل الخارجي، مهما كان تعليبه.
في لعبة شد اجساد الضحايا، من هو الرابح؟ بالنسبة الى العالم الخارجي، الرابح هو صناعة وتجارة السلاح المرتبطة ارتباطا وثيقا بالسياسة والاقتصاد العالمي. وتحتل الدول المؤيدة لهذا الطرف او ذاك في
سورية اعلى المراكز بين الدول المصنعة والمصدرة للسلاح. مما يجعل استفادتها المادية، بالاضافة الى العامل الجيوسياسي، مضمونة ومربحة، مهما ادعت غير ذلك أو مهما غلفت تدخلها باحترام سيادة الدولة او المساعدة الانسانية. لذلك يبقى الحل الوحيد لوضع حد لهذه المجازر وللحروب، هو مطالبة الشعوب حكوماتها، الغربية منها خاصة، بمنع بيع السلاح او تصديره. قد يبدو الامر حلما مستحيلا، ولكنه نوع المساعدة الانسانية الحقيقية المطلوبة من
الغرب وبقية ارجاء العالم.
أما اذا تساءلنا عن الرابح داخل
سورية نفسها، فالجواب هو: لا احد يعرف بعد. لكننا نعرف، تماما، من هو الخاسر. انه الشعب السوري المهجر بملايينه. انهم الضحايا من النساء والرجال. انهم الاطفال. انها سورية.
‘ كاتبة من العراق