حب يثير الضحك

حب يثير الضحك!
عزت القمحاوي

حب يثير الضحك 21qpt98

لا يملك من يقرأ رسائل فرناندو بيسوا إلاّ أن يضحك. مثلما لا نستطيع أن ندرك لماذا تخفى ذلك البرتغالي الغامض في مجموعة من الأسماء: ألفارو دي كامبوس، ألبرتو كاييرو، برناردو سوارس الخ.
هل هو الضجر من الذات أم النرجسية العالية؟ هل هو الخجل والرغبة في التخفي أم التمثيل والرغبة في الاستعراض بأكبر عدد من الأقنعة؟!
أيًا كانت الأسباب؛ فقد صار فرناندو موجودًا بأقنعته كلها، وصار تراكم الترجمات مدعاة لترجمات جديدة، شعرا ونثرا بينها 'رسائل إلى الخطيبة' التي ترجمتها روز مخلوف، وهي عبارة عن رسائله إلى أوفيليا كيروز، المرأة الوحيدة المذكورة في حياته.
الترجمة صدرت عن دار ورد بدمشق، في كتاب مشترك، وجهه رسائل بيسوا إلى الفتاة، وقفاه غلاف آخر حمل عنوان 'كدت أفقد نرجسيتي' لوداد بنموسى، وهو شذرات شعرية، وكأنها أرادت أن تبث الطمأنينة في روح فيرناندو، برسائل كتبتها نيابة عن الدمية الصغيرة أوفيليا!
ويبدو أن للكتاب مثل روح فرناندو وأقنعته؛ ففي البداية نجد تنويه الناشر والمترجمة التي تترجم عن الفرنسية عادة بأن العنوان الأصلي للكتاب هو رسائل إلى الخطيبة، ولم تتمرد عليه الترجمة العربية، بينما تتحدث وداد بنموسى الخطيبة في مقدمتها بحكاية تلقيها لكتابها 'فرناندو وأنا' فهل نحن بصدد كتابين؟
' ' '
من ناحية الوجه تعريف قصير ببيسوا، كتبه عبدالقادر الشاوي، ثم مقدمة أوفيليا نفسها شديدة العفوية، والتي تكشف عن دمية صغيرة كانت في التاسعة عشرة عندما تقدمت لوظيفة سكرتيرة في مكتب يمتلكه شركاء بينهم ابن عم بيسوا الذي يساعدهم في العمل أيضا، وعندما رآها أوصى قريبه بزيادة ثلاثة دولارات في أجرها، ليصبح ثمانية عشر دولارا بوصفها مشروعا محتملاً لغرام، نستطيع أن نرى فيما بعد إلى أي حد هو متوهم.
على قصر مقدمة أوفيليا، تشي بمشاعر فتاة صغيرة تجد نفسها محل اهتمام شاعر معروف يكبرها باثنتي عشرة سنة، يقبلها فيكون شعورها الدهشة لا النشوة، وتراه خجولاً، وتصف سلوكه معها بالطرافة.
ولا يمكن أن نبدأ في قراءة الرسائل حتى نضحك من عاشق يحمل بداخله كل تلك الذوات الذكورية التي يعطلها معه.
تبدو الرسائل بسيطة إلى حد السطحية المبتذلة، عندما نقارنها بشعر بيسوا ونصوصه الخارجة من مجمرة روحه، وهو ما يؤكد أنه لم يحب حقيقة، ولم تكن في روحه مساحة لامرأة، لكنه أراد فقط أن يفعل كما يفعل الرجال.
وتكشف الرسائل عن حجم نرجسيته، التي تجلت في رفضه نشر كتاباته وفي الوقت نفسه ارتداء كل تلك الأقنعة، أسطرة وتعظيما لذاته، وكأنه يخطط لشكل ذكره في المستقبل.
الأبيات الأولى التي أهداها إلى أوفيليا، لا تمت بصلة إلى إبداعه، ولا يمكن أن نستشعر فيها صدقا عاطفيا أو فنيا: 'أصبحت مجنونًا، أصبحت نشوان/ قبلاتي لها كانت بلا نهاية/ شددتها إليّ/ ضممتها بين ذراعي/ ثملت بذراعيها، / صرت مجنونًا ذلك اليوم./ قبليني/ زيديني من القبل، / علني متلاشيا في سحرك، أسيرا بين ذراعيك/ لا أشعر بحياتي/ ولا بروحي، طيرا تائها/ في لازورد سماواتك الحبيب.. الخ'.
بعيدا عن صنعة الشعر نفسها، من الواضح أن هذا الكلام يعبر عن مشاعر نيئة. وإن كنت أحب أن أحتفظ لنفسي بخط رجعة، فربما كان الشعور بخفة هذه الأسطر نابعا من كراهية خاصة لكلمة 'اللازورد' التي كان لها في شعر السبعينيات والثمانينيات برودة وسماجة 'ظلال الزيزفون' في الروايات الرومانسية بمصر التي ليس فيها زيزفونة واحدة!
على أن زيف المشاعر يبدو واضحا ـ لكل ذي قلب ـ في معظم الرسائل، بتعبيراتها المكررة 'دميتي الصغيرة' و'طفلتي الصغيرة' و'الشريرة الصغيرة' مثلما يبدو في الختام الثابت الذي يحمل القبلات بأعداد مهولة مع الإخلاص الأبدي.
من غير المقبول أن يهدي العاشق حبيبته آلاف القبلات دون الانتقال إلى بند آخر، ومن غير المعقول أن يضمن البوس وحده إخلاصا أبديا.
' ' '
الحب الذي بدأ فكرة في رأس الشاعر تجاه المستخدمة الصغيرة لم يحمل لها إلا بعض الهدايا الصغيرة في درج مكتبها، مع بعض الرسائل القصيرة بصيغة الأمر: 'أطلب منك ألا تغادري' أو 'أطلب منك أن تسيري بحذر، حتى لا تقعي على السجادة'.
وككل نقش على الماء، انتهى الحب بلا مبرر معروف، بعد سنوات من المواعدات لمصاحبتها في طريقها إلى العمل أو بإعطائها توقيت لحظة مروره من أمام منزلها لكي تطل عليه من الشرفة.
وليس أغرب من رسائل العاشق الكسول إلا الردود التي كتبتها وداد بنموسى على فرناندو نيابة عن أوفيليا؛ فهي لا تشبه أيًا منهما. تقول أوفيليا في تقديمها إن جسدها القصير النحيل كان طريفًا إلى حد بعيد، ولم تكن تثق بأنوثته إلى الحد الذي يجعل وداد تقطع وعداً متنفجا: ' كن واثقًا من جسدي/ إنه آيتك في البعد'. ولنا أن نتصور رد فعل رجل كان أقصى فجوره المرور من أمام الشرفة عندما يقرأ 'لست أكتفي منك/ إلا لأشهق عطشا لخصبك'!
ربما أرادت أن تحمل إلى روحه شيئًا من الطمأنينة عبر استجابات أوفيليا، لكنها بددت ما كان عنده من الراحة باستجابة لم يكن مستعدًا لها؛ فالرجل المستوحش لم يفكر قط في الخصوبة، فقط كان يريد أن تكون عنده ملهمة ساذجة بلا خبرات تجعلها متطلبة أو تثير غيرته.
وليس فرناندو الشخص الذي يحتاج إلى من يعطف عليه أو يرد غيبته؛ فهو يعرف كيف يدافع عن نفسه، حتى في مواجهة قارىء مستخف.
لا يكاد القارئ يفرح باكتشافه سذاجة الرسائل، حتى يجهض له بيسوا اكتشافه بقصيدة وضعها على لسان ألفارو دي كامبوس، البديل المحبب له: 'جميع رسائل الحب/ تثير الضحك./ لن تكون رسائل حب/ لو لم تكن تثير الضحك/ أنا أيضا كتبت منها في الزمان، / وكانت مثل غيرها/ تثير الضحك./ لكن الناس الذين لا يكتبون أبدا/ رسائل حب/ هم الذين في نهاية المطاف/ يثيرون الضحك'

تحية الاسلام
جزاك الله خيرا وبارك الله لك وعليك
أزكى التحيات وأجملها..وأنداها
وأطيبها..أرسلهااليك
بكل ود وحب وإخلاص..
تعجز الحروف أن تكتب ما يحمل قلبي
من تقدير واحترام..
وأن تصف ما اختلج بملء فؤادي
من ثناء واعجاب..فما أجمل
أن يكون الإنسان شمعة
تُنير دروب الحائرين..
دمت بخير
رحم الله والدي ووالديك

ابو مازن

شكرا اخى ليفربول الموضوع اعبنى وبصراحا جامد
شكرا لطرحك الموضوع وبارك الله فيك لوالديك Smile

شكرا لك على هذا الموضوع

» مالذي يثير الضحك عند طفلك ؟
» العثور على جثة مقطعة لمراهقة فلسطينية يثير الغضب في مناطق 48 منذ 3 ساعات العثور على جثة مقطعة لمراهقة فلسطينية يثير ال
» فوائد الضحك
» الضحك الهستيري.. مرض جديد يصيب السودانيين وأسباب الظاهرة لا تزال غامضة ووزارة الصحة تتدخل
» شعر حلمنتيش تمووت من الضحك

صفحة 1 من اصل 1