السلاح الكيمياوي والاستبداد وازدواجية المعايير الدولية : هيفاء زنكنة
السلاح
الكيمياوي والاستبداد وازدواجية المعايير الدولية
هيفاء زنكنة
September 13, 2013
لا يستطيع، من عاش فصول الاعداد الانجلو- امريكي لغزو
العراق واحتلاله، وما يمر به المواطن العراقي اليوم من كوارث، بعد عشر سنوات من ‘ تحريره’، الا ان يصاب بالرعب من الآتي في
سوريا وغيرها من البلدان العربية. ولا يغير من الأمر ادراكنا للفرق ما بين انبثاق ومسيرة الانتفاضة السورية الشعبية من جهة، و مسيرة معارضي النظام العراقي السابق في خدمة انظمة الغزو على مدى عقود من جهة أخرى. مشاعر الخوف غير نابعة من انتقاص قدرة الشعوب على الثورة والتغيير ولكن من قدرة انظمة الاستبداد العربي والقوى الخارجية، في آن، على التشكل الزئبقي وفقا للمتغيرات، وعلى النماذج الراهنة في
ليبيا واليمن.
ازاء مأساة الوضع الحالي ونزيف الدم اليومي الجاري في الدول العربية، خاصة، في
سورية والعراق، والتخطيط الدولي والعربي، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، لـ ‘التدخل الانساني’ في
سورية (وما ادراك ما التدخل الانساني!)، لا ادري ما الذي ستكون عليه النتيجة اذا كان هناك عداد لقياس من هو القاتل الاكبر:
السلاح الكيمياوي أو الاستبداد المحلي او التدخل ‘الانساني’ الاجنبي؟
فما بالك اذا ما اجتمعت العوامل الثلاثة في بلد واحد؟ هل سنحتاج تحليلا سياسيا ليبين لنا حتمية استمرارية الموت برعاية دولية تعيش وتتنفس على ازدواجية المعايير؟
كشفت صحيفة ‘ميل أون ساندي’، يوم 7 ايلول/ سبتمبر، بان شركات بريطانية هي التي زودت نظام بشار الاسد بالمواد الاولية لصناعة
السلاح الكيمياوي على مدى ست سنوات (2004 2010)، وبعلم الحكومة البريطانية التي منحت الشركات اجازات تصدير. وقد اعترفت الحكومة البريطانية، لاول مرة، حسب الصحيفة، بموافقتها على التصدير ‘مما يشكل خرقا فاضحا للبروتوكول الدولي حول تجارة المواد الخطرة’.
وهل نحن بحاجة الى التذكير بان ونستون تشرشل، وزير الدولة البريطاني لشؤون الحرب (وليس صدام حسين او بشار الاسد) كان اول من قصف العشائر العراقية الكردية في شمال العراق والعربية في الأنباربالغاز السام، قائلا باستعلائه العنصري:’أنا اؤيد، بقوة، استخدام الغاز السام ضد القبائل غير المتحضرة’.
وهل نحن بحاجة الى التذكير بان اطفال فيتنام لا يزالون يولدون مشوهين نتيجة رش البلاد بالسموم من قبل أمريكا؟
وهل نحن بحاجة الى التذكير بان
امريكا، في غزوها واحتلالها العراق بحجة تخليص العالم من اسلحة الدمار الشامل وبناء الديمقراطية، استخدمت كل انواع اسلحة الدمار الشامل، ذات التأثير بعيد المدى، كاليورانيوم المنضب والفسفور الابيض والاجيال الجديدة من النابالم المذوب لاجساد الضحايا، وان اطفالنا، مثل اطفال فيتنام، سيعانون من التشوهات على مدى اجيال مقبلة؟
وهل نحن بحاجة الى التذكير بمواقف الدول العربية وجامعة الدول العربية، واتفاقهم الرسمي، شبه الجماعي، على تبرير الغزو واستخدام اراضي واجواء دول عربية، بمعسكراتها الاجنبية، لانطلاق قوات الغزو والقصف بأسلحة الدمار؟ هذه الدول، ذاتها، لاتزال تقف على أهبة الاستعداد لخدمة الدول الاجنبية، مهما كان الطلب، بلا حرج بينما تجد من الصعب او المستحيل لعب دور مماثل مع دول عربية اخرى.
وتجد من المستحيل الاصغاء لشعوبها ومعاملتهم كمواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة. وهي عاهة مستديمة، تعيشها الدول العربية منذ تلاشي نشوة فترة التحرر الوطني وهيمنة انظمة محلية، مستبدة، فاسدة، على الحكم. حيث اصبحت مهمة الانظمة المحلية الاولى هي اخضاع المواطن لسيطرتها عبر اهانته وسلبه حريته وكرامته بالاضافة الى مصادرة ثروة البلاد واعتبارها ملكا شخصيا للحاكم وعائلته وحواريه. واذا حدث وتفوه المواطن بكلمة احتجاج او قام باي فعل مناف لقوالب الانظمة الايديولوجية، فان تهمة العمالة للأجنبي جاهزة لاعتقاله وتعذيبه واعدامه. فالمواطن متهم بشكل دائم ولا امل له بمواصلة الحياة الا عبر الرضا او الصمت حيال الواقع.
في الوقت نفسه، يبدي النظام المستبد كل المرونة والكرم والتبرير للقوى الاجنبية لأنه بحاجة ماسة اليها لديمومة سلطته، فهذه حكمة وليست عمالة وخضوع. وبينما يقتر النظام على المواطنين فانه يصرف اموالا طائلة على شراء اسلحة ومعدات عسكرية ومواد كيمياوية بحجة الدفاع عن الأمن القومي ضد عدو يكبر ويتضخم حسب حاجة النظام لترويع الناس .
وبينما تقبض شركات الاسلحة الكبرى في الدول الاجنبية نسبا كبرى من ميزانيات النظام، تصدأ وتتآكل هذه الاسلحة في مخازنها وبدون ان تستخدم ضد العدو الخارجي، وقد يكون ذلك شرطا من شروط البيع كما يبدو بالنسبة لصفقات
السلاح الكبرى. وان كان النظام، والحق يقال، لايتردد باستخدامها ضد مواطنيه، العدو الداخلي.
هذه التوليفة أو حبل السرة الممتد بين النظام القمعي العربي والدول الاجنبية، على رأسها الولايات المتحدة الامريكية، وبضمنها أطراف إخرى إقليمية أو وسيطة، يغذي الطرفين بما يريدانه. فالنظام القمعي بحاجة الى من يحميه من شعبه والدول الاجنبية بحاجة الى أنظمة ضعيفة تسيطر عليها جغرافيا (قواعد عسكرية واجواء مفتوحة)، واقتصاديا (السيطرة على مصادر الطاقة وجعلها سوقا للسلاح)، وأمنيا (لضمان سلامة وأمن
اسرائيل)، وسياسيا (حالة التشرذم الطائفي). أما الديمقراطية وحقوق الانسان فهما سلعة للمقايضة واداة لتهديد الانظمة القمعية اذا ما حدث وتجاوزت خطوط الطاعة الحمراء ولو بقليل. حينئذ تشهر الدول الاجنبية سلاح اخلال النظام العربي بحقوق الانسان وانتهاك المواثيق
الدولية والقانون الدولي.
وهي ذات المواثيق والقوانين التي تنتهكها الدول الغربية وربيبتها اسرائيل بلا عقاب. فالقوانين
الدولية لا تطبق الا انتقائيا. ضحايا الحرب الامريكية على فيتنام لايزالون بلا تعويض. المعتقلون في غوانتانامو، ضحايا التعذيب وانتهاك الحقوق، لايزالون بلا محاكمة. عمليات الاختطاف والاغتيال بواسطة الطائرات بلا طيار والفرق الخاصة تتم متى وأينما رغبت امريكا. العراق الذي تم تخريبه اقتصاديا ومجتمعيا، وهدمت بنيته التحتية، ودفع ثمن ‘التحرير’ مليون ضحية، لايزال يدفع الحياة الانسانية ثمنا، يوميا، للاحتلال والنظام المستبد معا.
هذه الصورة عن مثلث الاستبداد المحلي (يسميه الشاعر نوري الجراح الاستعمار الداخلي) والهيمنة الخارجية
وازدواجية المعايير الدولية لاتعني ان الشعوب خانعة ساكتة، مخنوقة داخل المثلث. فهي تحتج، وتتظاهر، وتعتصم، و تنتفض، وتبادر وان جوبهت بالعنف والاعتقالات والتضليل الاعلامي. غير انها، كما يدل تاريخنا المعاصر، بقيت تدور في دوامة اضعاف سبل الهيمنة الداخلية وافشال المشاريع الغربية من دون التمكن من الوصول الى مرحلة الاستقرار والبناء سواء في الحاضر او المستقبل.
وسيبقى الحال على ماعليه، ما لم تنهض الشعوب الغربية المتمتعة بالديمقراطية والاستقرار لتحقق التغيير في سياسة دولها الخارجية، وأن تضع حدا لاستغلال الشعوب
وازدواجية المعايير الدولية. فالمعروف ان امريكا، مثلا، تحتل مكانة متقدمة في سلم احترام حقوق الانسان حين يتعلق الأمر بالمواطن الامريكي.
وتنحدر في السلم حين يتعلق الامر بممارساتها ازاء مواطني الدول الاخرى. ولن تنفتح ابواب السلام الحقيقي، وانا اتحدث على المدى البعيد، ما لم تقف الشعوب متكاتفة لتضع حدا لتجارة
السلاح وصناعة الحروب. فلا يكفي ان يتظاهر بريطانيون ضد شن الحرب على بلد من بلداننا، فحسب، ولكن المطلوب اجبار حكومتهم على تغيير موقفها من شن الحروب وان كانت توفر لهم حوالي 20 بالمئة من ميزانية الدولة (فلا عجب من موقف الحكومة البريطانية من مبادرات التفاوض السياسي في سورية). النقطة الثانية هي اصلاح منظمة الامم المتحدة التي ارادها العالم، عند تأسيسها، حكما للمصالحة ووضع حد للحروب. ولن تستعيد المنظمة دورها المنشود والمطلوب، بقوة، ما لم يتم تنظيفها من هيمنة الدول الخمس العظمى، صاحبة حق الفيتو. ولنا في مواقفها من حقوق الشعب الفلسطيني عبرة.
‘ كاتبة من العراق