هل يحق لضحايا الغزو الامريكي للعراق رفع القضايا القانونية؟
هيفاء زنكنة
October 4, 2013
أكثر من ثلاثة آلاف ضحية يدفعها العراق ثمنا للإرهاب في الشهر الماضي. أي ان عدد الضحايا في العراق االديمقراطي الجديدب لايقل عن االحرب الأهليةب في سورية. ولكن، مع استثناء بسيط. هناك تسليط للاضواء الساطعة من قبل المجتمع العربي والدولي على سورية بينما تطبق على العراق عتمة، تغشي العيون.
ذكر بيان لبعثة الأمم المتحدة، في العراق، أن أرقام الضحايا تظهر أن 979 عراقياً قتلوا وأصيب 2133 آخرون. معظم الضحايا هم من المدنيين في العاصمة بغداد. وكأن القتلة يشبعون، في بغداد، شهواتهم الارهابية. الارهابيون على يقين من غياب المحاسبة والمساءلة، فدولة القانون، برئاسة أمين علم حزب الدعوة، نوري المالكي، مشغولة بالفساد وحصد العقود ونسب الارباح من عقود النفط ودعم الميليشيات باموال الشعب. الحصيلة، في ظل النظام الحالي، ان الشعب يدفع من وارد ثروته الوطنية، اجور الارهابيين والقتلة. ولسنا، هنا، في موقع توجيه الاتهامات جزافا. فالبرامج التلفزيونية واللقاءات والبيانات الصحافية للساسة والاحزاب و’المكونات’، المتنازعة فيما بينها، حول مناصب ومناطق ‘متنازع عليها’، لا تجد غضاضة في سرد التفاصيل وبيان وثائق الفساد. لثبت الساسة والمسؤولون الجدد، ان منظومة القيم التي تربينا عليها مجتمعيا ودينيا قد تم تغييبها وان بوصلة الاخلاق قد كسرت. والا، كيف يمكن السكوت على جرائم تحصد ارواح مثل هذا العدد الكبير من الناس يوميا وشهريا؟
لتكسير جبال الصمت المحيطة باحداث العراق الكارثية، تنطلق، بين الحين والآخر، اصوات قد تبدو في بداياتها خافتة ولامجدية، الا انها تصلح، كمؤشر عملي، لما يجب ان يكون عليه المستقبل الانساني وليس العراقي فحسب. المستقبل الذي نطمح اليه في تحقيق العدالة وفق القانون. وهو الاساس والفعل الحقيقي للقضاء على الارهاب، وهو من أهم نتائج الظلم والتزييف، حتى إذا لم يكن بأدوات السلطة الخفية نفسها. مما يجعلني استعيد، المرة تلو المرة، ما قاله المفكر الامريكي نعوم تشومسكي، حين سأله احدهم من المقربين للإعلام الرسمي عن كيفية القضاء على الارهاب فاجاب قائلا: ‘توقفوا عن ارتكابه’.
هذه الاصوات تؤسس للعدالة الانتقالية، مهما كانت الجهة التي توقع الحيف والظلم بالناس، ومهما كان جبروتها. وتمثل السيدة العراقية سندس شاكر صالح واحدا من هذه الاصوات، ليشكل موقفها الجريء البدء الحثيث لسيرورة قد تمنح بعض الضحايا وذويهم (ولا نقول كل الضحايا) أملا في العدالة والتعويضات. آخذين بنظر الاعتبار، الا نوهم الناس بان في هذه الخطوة، لوحدها، مهما كانت شجاعة، العلاج السحري للمآسي.
كان د. عماد خدوري، خلال مدونته المسماة ‘ابو تمام’، قد نبه الى حكاية سندس ثم قامت عشتار العراقية بمتابعة وترجمة التفاصيل في مدونتها المسماة ‘ عشتار انانا’. وملخص القضية ان ‘ سندس صالح مواطنة عراقية وأم وحيدة لثلاثة ابناء وقد اصبحت لاجئة مع عائلتها في الاردن بسبب غزو واحتلال العراق. رفعت في آذار/مارس هذا العام قضية في محكمة فدرالية في سان فرانسيسكو تقول فيها أن الحرب على بلادها كانت (جريمة عدوان) حسب نفس معايير محكمة نورمبرغ لادانة مجرمي الحرب النازيين في الحرب العالمية الثانية، ولهذا وكلت المحامي اندر كومار من ‘شركة كومار للمحاماة’ ومقرها سان فرانسيسكو. وقد التقى كومار مع سندس في بيتها في الاردن لبحث القضية’.
ولكن رفع القضية ضد مسؤولين حكوميين امريكيين، باعتبارهم خططوا وساهموا في العدوان، ليست بهذه السهولة على الرغم من عدالتها الواضحة. فالرئيس السابق جورج بوش واركان ادارته حينذاك وهم : نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد والجنرال المتقاعد كولن باول ووزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس ونائب وزير الدفاع ورئيس البنك الدولي بول وولفوفتز، يتمتعون بالحصانة التامة ومن التقديم الى المحاكمة ، في قضية الحرب على العراق، حسب (قانون ويستفول) وهو القانون الصادر في 1988 الذي يعطي للنائب العام (وزير العدل) السلطة لتقرير ما اذا كان يمكن أو لا يمكن اتهام الولايات المتحدة في احدى القضايا. وهذا بدوره يسمح بمنح حصانة تامة للسياسيين من الاجراءات التي يتخذونها وهم في مراكز حكومية.
الا ان تقديم القضية الى المحكمة، في هذه الحالة، يستند الى نقطتين مهمتين، يوضح المحامي كومار، الاولى، قائلا: ‘تزعم وزارة العدل ان بوش واعضاء ادارته الكبار في تخطيطهم وشن الحرب على العراق كانوا يتصرفون شرعيا حسب ما تسمح به مراكزهم الحكومية وبهذا يكونون محصنين من الملاحقة القضائية. ولكن القضية المرفوعة من سندس صالح تستند الى أن تشيني ورامسفيلد وولفوفتز خططوا للحرب على العراق في 1998، أي قبل عملهم الرسمي في الإدارة الأمريكية المتمتعة بالحصانة، كجزء من اشتراكهم في (مشروع القرن الامريكي الجديد)، وهي منظمة غير ربحية، مقرها واشنطن، مما يفند الاستناد الى ‘قانون ويستفول’ في هذه الحالة، والا فإن على الحكومة الامريكية ان تثبت بأن فعل التحضير للغزو من خلال منظمة غير ربحية حدث داخل الادارة الامريكية. ولكن طالما ان ذلك لم يحدث، فإنه لا يمكن الاستناد الى ذلك القانون في هذه الحالة… لأن السيدة سندس صالح تتهم بأن القضية بدأت قبل ان يشغل هؤلاء المتهمون المناصب الحكومية’.
النقطة الثانية إن شركة كومار تستند الى قانون يسمى (لائحة مسؤولية التقصير تجاه الاجانب). وهو قانون صدر في عام 1789، ويسمح لمواطن اجنبي ان يتقاضى في محكمة فدرالية امريكية للاضرار التي حدثت له في بلاده على يد الولايات المتحدة (والتي ارتكبت انتهاكا لقانون الامم او معاهدة للولايات المتحدة). وقد تم استدعاء كل المتهمين في القضية للحضور حسب الاجراءات القانونية العادية. ويتوقع ان تبدأ المحاكمة في اوائل 2014.
ما الذي يمكن البناء عليه، بالنسبة الى بقية العراقيين من ضحايا الغزو والاحتلال، من الشروع بهذه القضية؟ علينا التكرار هنا بان هذه القضية ليست الا خطوة واحدة في رحلة قد تمتد على مدى آلاف الاميال، ولكن، اذا ما اردنا تحقيق العدالة، فيجب النظر والتفكير بها بشكل جدي وعملي، بعيدا عن المبالغات والآمال الكبيرة، في آن واحد. وهذا، بالتحديد، ما دفع المحامي العراقي صباح المختار (رئيس جمعية الحقوقيين العرب في بريطانيا) الى الاتصال بالمحامي أندر كومار والعمل على اعداد استمارة واعلان، تم توزيعه. المقصود بالاعلان هو: اولا: أي شخص عراقي فقد شخصا (أب، أم اخ، ولد، بنت …) بالقصف او من قبل الجيش الامريكي. ثانيا: اي شخص عراقي فقد مالا (بيت، سيارة، مزرعة، معمل ….) بفعل من الجيش الامريكي او مرتزقته. وينص الاعلان على ان دعوى السيدة سندس بحاجة االى شهادات من ضحايا الاجتياح الامريكي للعراقب. مؤكدا بان القضية اقانونية امام القضاء وليست مناسبة للكسب السياسي ولا للكسب المادي، لذا فالامانة والصدق المطلق مطلوبب. وهي نقاط مهمة جدا ويجب الانتباه اليها ااذ بعكسه يمكن خسران القضية. يرجى من الجميع عدم المبالغة ولا الكذب ولا اختلاق القصص او الاحداثب. مع الاعلان، هناك استمارة يجب طبعها واملائها ثم تصويرها وارسالها الى المحامي، وكل ذلك يتم عبر موقع witnessiraq.com.
اكرر بان هذه خطوة صغيرة نحو تحقيق هدف كبير. وقد لا يحالفنا النجاح هذه المرة الا ان المثابرة وعدم التخلي عن الحقوق هو الذي سيجعلنا نساهم في تحقيق العدالة والاكثر اهمية من ذلك في بناء مستقبل لا نسكت فيه على الظلم مهما كانت تعبئته او تحت اية ذريعة كانت.
‘ كاتبة من العراق