تعيش الأقلية المسيحية في قطاع غزة تحت نظام حكم حماس الإسلامية, وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي العام ينعكس ذلك سلبيا على حياتهم اليومية، حيث يتهم بعض المسيحيين حكومة حماس بالتمييز في توزيع فرص العمل بشكل عادل.
في كنسية الروم الأرثوذكس بدأ المصلون بترديد التراتيل، فيما حمل أطفال الشموع بين روائح البخور التي تعبق المكان الأثري بجدرانه الذي تزينه الرسومات المحيطة بصورة المسيح عليه السلام ومريم العذراء.
كل يوم أحد تكتظ الكنيسة التي يجاروها مسجد أثري (كاتب ولاية) في مدينة غزة بالمسيحيين الذين يحضرون القداس الأسبوعي في أعمار مختلفة، كباراً وشباباً وأطفالاً، حيث يتوافدون على المكان للصلاة والتواصل فيما بينهم ولتبادل أطراف الحديث حول قضايا الساعة.
أقلية مسيحية في غزة
يعتبر المسيحيون في قطاع غزة أقلية صغيرة مقارنة بالمسلمين حيث لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف يعيشون وسط مليون وسبعمائة ألف مسلم وتتبع غالبيتهم العظمى كنيسة الروم الأرثوذكس ويشارك عدد قليل منهم في الحياة السياسية الفلسطينية.
ويرى كامل عياد (41 عاماً) أن المسيحيين في غزة يعيشون في قطاع غزة كغيرهم من المسلمين دون فوارق كبيرة، فهم يعانون كما يعاني غيرهم هناك من ظروف الحياة السياسية والاقتصادية التي يعيشها القطاع نظراً للحصار وضيق العيش.
وأضاف عياد لـ" دويتشه فيله" العربية:"المجتمع المسيحي يشكل جزءا من هذه البلد، فمنذ قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 وقبلها أثناء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع وكذلك بعد قدوم حركة حماس إلى الحكم، ونحن نعايش هذه الظروف المحيطة مثل المسلمين تماماً".
المسيحيون وحكم حماس
وواجه المسيحيون صعوبات في بعض الأوقات بعد تولي حركة حماس الحكم في القطاع، وبعد ظهور بعض الجماعات السلفية المتشددة التي استهدفت بعضاً من المؤسسات المسيحية بالتفجير والحرق، حيث قتل إثنان عام 2007 وعام 2009 بسبب حادثة سرقة وخلافات دينية.
وتصاعدت الخلافات في فترة حكم حماس عندما اتهمت الكنيسة الأرثوذوكسية "هيئة علماء المسلمين" في بيان لها بخطف خمسة مسيحيين وإجبارهم على اعتناق الديانة الإسلامية في صيف 2012، مما أثار جدلاً واسعا داخل المجتمع الغزي.
مطران غزة، اليوناني الكسيوس يعتقد أن العلاقة مع السلطة الحاكمة في غزة توجد في اطارها الطبيعي خلال كل المراحل، حيث إنها لم تتغير خلال حكم حماس، كما لم يتغير التعاون بين الكنيسة والسلطات، مشيراً إلى أن حماس حريصة جداً على أمن الكنيسة والمسيحيين في قطاع غزة.
وذهب المطران في حواره مع "DW "عربية للقول "هناك أمان في المرحلة الحالية أكثر من ذي قبل، لاسيما بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، قبل حكم حماس كانت هناك فوضى أمنية وفلتان في الشارع الفلسطيني، ولكن حالياً لا نواجه مشاكل بالمطلق".
وأضاف "نعم كانت هناك بعض الإشكالات وبعض القضايا التي حدثت خلال تلك الفترة وكذلك في فترات سابقة، ولكن لا يمكن القول أنها تتعدى كونها حوادث فردية".
حكومة حماس في غزة أكدت أنها لا تتعامل مع المسيحيين في غزة على أساس ديني. هذا ما عبر عنه طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئاسة الوزراء المقالة عندما قال: " المسيحيون في غزة يعيشون في أمان مثل المسلمين تماماً ولا فرق بينهم، ونحن نجلس دائماً مع المسئولين للاستماع إلى مشاكلهم ومطالبهم إذا كانت هناك مخاوف، من اجل مساعدتهم ووضع الحلول المناسبة".
مشاكل اقتصادية واجتماعية
من جانبها أوضحت مريانا صليبا (29 عاماً) أن القيود النفسية والجو العام السلبي يفرض نفسه على المجتمع المسيحي، وقالت: "لا مشاكل مع المسلمين ولكن القيود على الحريات العامة في قطاع غزة تنعكس بشكل تلقائي على المسيحيين أيضاً".
أما سامي سلامة (70 عاماً) فيتهم حكومة حماس بالتمييز العنصري تجاه المسيحيين وبعدم تعينهم في الوظائف الحكومية مما دفع بأبنائه الأربعة إلى السفر للخارج من أجل البحث عن لقمة العيش.
وقال "هناك ظروف اقتصادية قاسية يعيشها قطاع غزة وفرص العمل محدودة، وقد تعاملت الحكومة هنا فركزت في فرص التوظيف على المسلمين دون المسيحيين، أما من الناحية الأمنية فلا يوجد أي مشاكل أو قيود".
ويعاني المجتمع المسيحي في غزة من نسبة عالية في هجرة الشباب إلى دول عربية وأوروبية، منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، وأيضا إلى الضفة الغربية بعد سيطرة حركة حماس على القطاع.
وانعكست هجرة الشباب المسيحي من غزة على نسبة العنوسة التي ارتفعت بسبب عدم عودة الشباب الذكور إلى غزة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة.
وقال سلامة "الكثير من الشباب الذين يسافرون للخارج بقصد التعليم في البداية لا يعودون إلى القطاع في الغالب ويقيمون في البلدان التي درسوا فيها بسبب فرص العمل القليلة هنا".
الكنيسة الأرثوذكسية ثروة اثرية
وتعد كنيسة الروم الأرثوذكس أكبر وأقدم الكنائس الثلاثة المتبقية في قطاع غزة والتي يعود تاريخ بناؤها إلى عصر إمبراطور القسطنطينية اركاديوس عام 402 ميلادي.
وللكنيسة مؤسسات فرعية تابعة لها لخدمة المسيحيين الأرثوذكس في قطاع غزة، فهناك مجلس وكلاء الكنيسة والمسئول عن الأملاك والأموال في الكنيسة، وجمعية خيرية تدعى حاملة الطيب لمساعدة المسيحيين الفقراء اقتصادياً، وفرقة كشافة، ومكتب الشبيبة لخدمة الشبان المسيحيين، بالإضافة إلى مدرسة الروم الأرثوذكس الخاصة والتي يرتادها مسيحيون ومسلمون.
وهناك محكمة خاصة بالكنيسة للنظر في القضايا الخاصة بالزواج والطلاق يحكمها القانون البيزنطي ويتم فيها أيضا معالجة القضايا الخاصة بالخلافات بين المسيحيين الذين يعيشون في قطاع غزة، ويرأسها مطران الكنيسة.
عن فلسطين برس
تكبير الصورةتصغير الصورة معاينة الأبعاد الأصلية.